في مسار الحياة العامة، نادرًا ما تبرز شخصيات تتقن العزف على أوتار الاقتصاد والسياسة بتناغم مثالي، لكن أحمد الغرابي، برؤيته المتقدة وحسّه الإنساني العميق، استطاع أن يجسد هذا النموذج الفريد.
فقد أصبح اسمه علامة فارقة في عالم النقل واللوجستيك بالمغرب، وسفيرًا للتغيير المسؤول في التسيير المحلي، حيث يقف عند نقطة التقاء التحديات الاقتصادية والطموحات التنموية.
مع تجديد الثقة فيه لتربع عرش الجامعة الوطنية للنقل المتعدد الوسائط، يواصل الغرابي التأكيد أنه ليس مجرد قيادي مهني عادي، بل فاعل استثنائي يدرك أن قطاع النقل ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو شريان حياة يربط بين نبضات السوق الداخلية وإيقاعات الأسواق العالمية.
وبرؤية ثاقبة، قاد سلسلة من الإصلاحات، مسلطًا الضوء على ضرورة تحديث البنية التحتية وتنقية التشريعات من شوائب الماضي، لضمان بيئة قانونية تحمي مهنيي القطاع وتمنحهم الأدوات اللازمة لمجابهة أمواج المنافسة العالمية العاتية.
لكن واحدة من أكثر القضايا التي ألقى الغرابي عليها ثقل كلمته، هي ترافعه الدؤوب ضد مقتضيات قانونية وصفها بأنها “أشباح الماضي”.
من بين هذه القوانين، يقف ظهير 1974 كأبرزها، وهو نص يرى الغرابي أنه بات بمثابة قيد يعصف بحقوق مهنيي النقل، إذ يعرّضهم لخطر الاعتقال العشوائي بسبب ضبط ممنوعات في حمولاتهم، حتى وإن كانوا مجرد وسطاء بريئين في سلسلة معقدة من العمليات التجارية.
بكلمته الشهيرة “كلنا في سراح مؤقت”، أطلق الغرابي صرخة من أعماق قطاع يعاني من وطأة نصوص قانونية لم تواكب التحولات الكبرى التي شهدها قطاع النقل واللوجستيك. بتلك العبارة، لم يكن فقط يصف حال المهنيين، بل كان يوجه نداءً صريحًا إلى صناع القرار، مفاده أن العدالة يجب أن تتحرر من إرث القوانين الجامدة.
وفي خضم انشغالاته الاقتصادية، لم يغفل الغرابي عن المشهد السياسي. كرئيس سابق لمقاطعة السواني وعضو حالي بمجلس جماعة طنجة، أبدع في تحويل هذه المنطقة إلى نموذج يحتذى به في التنمية الحضرية المستدامة. بمزيج من الإبداع التدبيري والحس البيئي، أشرف على مشاريع لتوسيع المساحات الخضراء وتحسين جودة الحياة للمواطنين، ليصنع من السواني واحة تنبض بالحياة داخل مدينة تحمل بين طياتها تحديات حضرية متشابكة.
وعلى الرغم من انتمائه لحزب العدالة والتنمية، لم يكن الغرابي مجرد متحدث باسم الحزب، بل ظل وفياً لمبدأ التوازن بين مصالح التنظيم السياسي واحتياجات المواطنين.
ففي فترة رئاسته للمقاطعة، التي لم تخلُ من المصاعب، أظهر قدرة فريدة على استيعاب التحديات وتحويلها إلى فرص، مسلطًا الضوء على أهمية الإدارة القائمة على القرب من المواطن وفهم احتياجاته.
بصماته في قطاع النقل المتعدد الوسائط، ومساهماته في تدبير الشأن المحلي، جعلت منه نموذجًا للفاعل الذي لا ينحصر في قالب واحد.
وبرؤية اقتصادية تخدم الحاضر، وإدارة سياسية ترنو إلى المستقبل، يظل الغرابي ذلك القائد الذي يترك أثرًا أينما حل، متسلحًا بإيمان راسخ بأن خدمة الوطن هي أسمى رسالة.
وفي كل محطة من محطات حياته، يخط بحروفه حكاية جديدة، حكاية قائد رأى في التحديات فرصًا، وفي خدمة الإنسان غاية لا تُضاهى.