اثار تصريح غير مألوف للسفير التركي في الجزائر موجة تفاعلات غاضبة، بعدما تحدث عن نسب “تركي” واسع بين سكان البلاد، في مقابلة صحفية اعتبرت من قبل العديد من الاصوات المحلية تجاوزا للبروتوكول الدبلوماسي وخوضا في مسائل شديدة الحساسية.
وقال السفير محمد مجاهد كوتشوك يلماز، في حوار مع وكالة الاناضول التركية، ان “ما بين 5 و20 بالمئة من سكان الجزائر يقدّر انهم من اصول تركية”.
وأضاف السفير التركي: “حين تنزل الى الاسواق، تجد الناس اما يذكرون لك اصولهم التركية او يخاطبونك بكلمات تعلموها من المسلسلات التركية”.
وانتقدت صحف جزائرية ما وصفته بـ”الطرح العرقي غير المدعوم”، معتبرة ان الربط بين الاصول العثمانية والهوية الوطنية “يفتقد الى الدقة العلمية” و”يشوّش على سردية الاستقلال ومقاومة الاحتلال”.
ولم تصدر وزارة الخارجية الجزائرية اي بيان رسمي بشأن التصريح، ما فسره مراقبون على انه تريث سياسي في مواجهة انقسام داخلي حول تقييم الحقبة العثمانية.
ووصف الصحافي خلاف بن حدة تصريح السفير التركي بانه “خطير ومتعارض مع الاعراف الدبلوماسية”، محملا السلطة الجزائرية مسؤولية ما سماه “تجنب الحسم في توصيف الاحتلال العثماني”.
اما الصحافي مولود حشلاف، فدعا السفير الى “لزوم حدوده”، مؤكدا ان تركيا كانت ضمن حلف الناتو منذ 1952 ولم تدعم فعليا الثورة الجزائرية، وان “الاتراك انفسهم خليط اثني معقد، فكيف يوزعون النسب على شعوب اخرى؟”.
ولم تكن ردود فعل المدونين والنشطاء اقل حدة. كتب المدون وهاب ان “الحديث عن 20 بالمئة من الجزائريين من اصول تركية لا يستند الى اي اساس علمي”، موضحا ان الانكشاريين الذين استقروا في الجزائر كانوا ذوي اصول بلقانية، وان “الوجود العثماني لم يخلف بنية ديموغرافية واضحة”.
في المقابل، قدم المؤرخ محند ارزقي فراد قراءة مغايرة، معتبرا ان “العثمانيين دخلوا الجزائر بطلب من اهلها لطرد الاسبان”، وان الحكم العثماني لا يقاس بمفاهيم الاستعمار القومي الحديثة، بل كان جزءا من ولاء اسلامي شامل.
غير ان هذا الراي، رغم وجاهته الاكاديمية، لم يوقف سيل الانتقادات التي رات في التصريح التركي محاولة رمزية لاحتواء الذاكرة الوطنية ضمن سردية امبراطورية خارجية.
ويظهر الجدل الراهن هشاشة الرواية الرسمية الجزائرية حول الهوية، التي تجمع بين العمق الامازيغي والانتماء العربي والاسلامي، دون ان تتجاوز فعليا ارث التحولات المتوسطية والوصايات التاريخية المتعاقبة.
وفيما تنفي الدولة صراحة اي بعد خارجي في تعريفها الوطني، كثيرا ما تعود اشارات الخارج لتتسلل عبر الخطاب الثقافي والديني والدبلوماسي.
وبعيدا عن حدود الجغرافيا السياسية، يكشف السجال الاخير عن قلق بنيوي يتجدد كلما طرحت اسئلة التاريخ والهوية من زاوية الاعراق والانتماءات؛ اسئلة تفضل بعض الدول تاجيلها، او اغراقها في رماد الاجماع الوطني، الى ان يتكفل بها تصريح دبلوماسي عابر.
