شكّل إقدام الجزائر على احتضان حركة انفصالية تزعم تمثيل منطقة الريف، تصعيداً غير مسبوق في مسار النهج العدائي تجاه المغرب.
وقد جاءت هذه الخطوة الاستفزازية، في وقت يتسم فيه المشهد الإقليمي بتحديات معقدة، لكنها كانت بالنسبة للمغرب بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، لتكشف مرة أخرى عن استراتيجية عدائية جزائرية لا تقتصر على دعم جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية، بل تمتد الآن إلى محاولة خلق بؤر جديدة للنزاع داخل الحدود المغربية.
استضافة الجزائر للحركة الانفصالية وافتتاح مكتب تمثيلي لها لا يمكن تفسيرها سوى كإعلان صريح لاستهداف استقرار المغرب ووحدته الترابية.
والأكيد، أن الجزائر التي راكمت الفشل تلو الفشل في تحقيق اختراق دبلوماسي حقيقي ضد وحدة المغرب الترابية، أو حتى في كسب دعم دولي واسع لمواقفها العدائية، ستحاول توظيف هذه الحركة، التي تفتقر إلى قاعدة شعبية أو مشروعية تاريخية، كأداة سياسية في سياق حملة جزائرية أوسع تهدف إلى زعزعة المغرب من الداخل.
وتتناغم هذه الخطوة مع نمط طويل الأمد من التحركات الجزائرية، بدءاً من تسليح البوليساريو ودعمها مادياً ودبلوماسياً، وصولاً إلى محاولات الهيمنة على روايات ثقافية وتاريخية تتعلق بتراث مغربي أصيل.
فمن الناحية الدبلوماسية، خصصت الجزائر موارد ضخمة لتعبئة دول موالية لتوجهاتها، مستخدمة إرث الحرب الباردة وسرديات التحرر الوطني كوسيلة لتبرير سياساتها العدائية.
كما أن الإعلام الجزائري انخرط بشكل هستيري في الترويج لادعاءات تهدف إلى تشويه صورة المغرب دولياً، بما في ذلك اتهامات تستند إلى مزاعم غير موثوقة حول ممارسات داخلية أو علاقات المغرب مع شركائه الدوليين.
ولم تتوقف تحركات الجزائر عند الجانب الدبلوماسي. فخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت محاولاتها في المجال الثقافي لترسيخ مزاعم حول احقيتها كدولة لا يتعدى عمرها بضع عشرات من السنين في تراث مغربي متجذر في التاريخ.
سواء تعلق الأمر بالمأكولات التقليدية أو الأزياء أو حتى الموسيقى والفلكلور، استخدمت الجزائر أدوات إعلامية ومؤسسات ثقافية لتقديم روايات تتحدى الحقائق التاريخية والجغرافية. هذه النزاعات الثقافية، وإن بدت هامشية في ظاهرها، تسلط الضوء على استراتيجية أوسع للنيل من الهوية المغربية.
لكن التحرك الأخير المتعلق باحتضان حركة انفصالية جديدة كان الأكثر استفزازاً. فمنطقة الريف الشامخة بانتمائها الراسخ لتراب هذه المملكة الشريفة، تحمل إرثاً تاريخياً ووطنياً يرتبط بعمق بالدولة المغربية التي تمتد جذورها إلى أكثر من 12 قرناً.
فمحاولة الجزائر استغلال هذا التراث لتأجيج نزاعات داخلية لا تعكس فقط عداءً سياسياً، بل تمثل استهدافاً مباشراً للنسيج الاجتماعي المغربي.
من وجهة نظر المغرب، تأتي هذه الخطوة في وقت يركز فيه جهوده على مشاريع تنموية استراتيجية تعزز مكانته الإقليمية والدولية.
ورغم محاولات المغرب المستمرة لفتح باب الحوار مع الجزائر، بما في ذلك دعوات متكررة من أعلى مستوى في الدولة المغربية لإرساء أسس حسن الجوار والتعاون، فإن النظام الجزائري ظل يرد بسياسات عدائية ومواقف تعكس عقلية الحرب الباردة.
ويعكس استمرار الجزائر في دعم الانفصاليين ومحاولة خلق نزاعات جديدة موقفاً يضع المنطقة بأسرها في دائرة التوتر.
وبالنسبة للمغرب، فإن هذا السلوك العدائي يجعل من المنطقي إدارة الظهر نهائياً لهذه العلاقة المتأزمة. بدلاً من الانخراط في صراعات مفتعلة، يفضل المغرب التركيز على مساره التنموي، من خلال تعزيز شراكاته مع الدول التي تشاركه قيم التعاون والاحترام المتبادل، والاستثمار في استقراره الداخلي كخيار استراتيجي يضمن مصالحه على المدى البعيد.