في تصريحات أثارت جدلًا واسعًا، أعرب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن ذلك قد يحدث “في اليوم ذاته الذي ستكون فيه دولة فلسطينية”.
ويتناقض هذا الموقف، الذي جاء خلال مقابلة مع صحيفة لوبينيون الفرنسية، مع الخطاب الرسمي الذي دأب النظام الجزائري على تبنيه لعقود، حيث قدّم نفسه كمدافع شرس عن القضية الفلسطينية، وهاجم بشدة الدول العربية التي اختارت مسار التطبيع.
وتمثل التصريحات التي أدلى بها تبون تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية الجزائرية، إذ أقرّ بأن هذا الموقف “متّسق تمامًا مع مجرى التاريخ”، مستشهدًا بمواقف الرئيسين السابقين الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة، اللذين لم يعتبرا إسرائيل عدوًا بحد ذاتها.
ويطرح هذا الاعتراف تساؤلات حول مدى جدية الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية، وما إذا كانت السلطات الجزائرية قد استخدمتها لسنوات كأداة للمزايدة السياسية بدلًا من الالتزام الفعلي بدعم الفلسطينيين.
ومنذ قرار المغرب استئناف علاقاته مع اسرائيل في سنة 2020، كثّف النظام الجزائري خطابه المعادي للرباط، معتبرًا أن الخطوة تمثل “خيانة” للقضية الفلسطينية.
غير أن التصريحات الأخيرة لتبون تكشف عن ازدواجية في الموقف الرسمي، حيث لم يغلق الباب أمام إمكانية اتخاذ خطوة مماثلة.
ويرى مراقبون أن هذا التناقض يعكس نهجًا براغماتيًا تسعى الجزائر من خلاله إلى تكييف مواقفها وفقًا لمصالحها السياسية والدبلوماسية، بدلًا من التمسك بمبدأ واضح.
اللافت أن تبون ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية، وهو شرط يحمل في طياته مرونة دبلوماسية، إذ أن تحقيق هذا الهدف لا يزال رهينة تعقيدات إقليمية ودولية لا تمتلك الجزائر أي تأثير عليها.
وبهذا المعنى، فإن النظام الجزائري لا يرفض التطبيع من حيث المبدأ، بل يضعه في إطار مشروط، مما يعكس استعدادًا غير معلن للانخراط في هذا المسار متى سمحت الظروف.
ويعتبر متابعون للشأن المغاربي أن تصريحات تبون قد تكون محاولة لاسترضاء القوى الدولية، خصوصًا في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.
فالجزائر، التي تعيش عزلة دبلوماسية متزايدة على الصعيد الإقليمي، تسعى إلى إعادة تموضعها في الخارطة الدولية عبر رسائل سياسية مدروسة. ومع ذلك، فإن هذا التحول قد يضع النظام الجزائري في مأزق داخلي، خصوصًا وأنه وظّف لسنوات القضية الفلسطينية كأداة لتوجيه الرأي العام الداخلي وإلهائه عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كان تصريح تبون مجرد بالون اختبار لقياس ردود الفعل، أم أنه مؤشر على تحول فعلي في السياسة الخارجية الجزائرية.
وفي كل الأحوال، فإن هذا الموقف يعكس تراجعًا عن الخطاب المتشدد الذي تبنته الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ويطرح تساؤلات حول مدى صدقية مواقفها الدبلوماسية في المستقبل.