يُشكل التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا أحد الأعمدة الأساسية في الحفاظ على استقرار ضفتي المتوسط، في ظل تنامي التهديدات العابرة للحدود التي تشمل الجريمة المنظمة والإرهاب والهجرة غير النظامية.
ويعكس الاجتماع الذي انعقد، يوم الاثنين، بين وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ونظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا في مدريد، والإشادة المتبادلة بالتنسيق الأمني، حجم الرهانات التي يفرضها الوضع الإقليمي والالتزامات التي تحكم العلاقات بين البلدين.
وتُظهر طبيعة الملفات المطروحة خلال هذا الاجتماع مدى تداخل الأبعاد الأمنية والهجرة والتنظيم المشترك للتظاهرات الكبرى، خاصة مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030.
فالوزيران لم يكتفيا بمناقشة مكافحة شبكات تهريب البشر والجريمة المنظمة، بل أكدا على أن التنسيق الأمني سيمتد إلى مجالات جديدة، مثل تأمين الفعاليات الرياضية الكبرى، وهو ما يُسلط الضوء على تطور الشراكة من مقاربة تقليدية للأمن إلى تعاون أكثر شمولية.
الوزير الإسباني وصف هذا التعاون بأنه “نموذجي”، وهو توصيف يحمل في طياته دلالات سياسية واضحة، تعكس قناعة مدريد بأن المغرب ليس مجرد جار بل شريك استراتيجي أساسي في أمنها القومي.
فإسبانيا، التي تواجه تحديات مرتبطة بتدفقات المهاجرين غير النظاميين، تعتمد بشكل متزايد على الرباط في احتواء الظاهرة، وهو ما يتجلى في الإشادة المتكررة بالدور المغربي في “مكافحة شبكات الاتجار بالبشر”.
ويأتي هذا الاعتراف في سياق أوروبي أوسع، حيث ينظر الاتحاد الأوروبي إلى المغرب كعنصر فاعل في ضبط تدفقات الهجرة نحو القارة العجوز.
غير أن هذا التنسيق الأمني لا يخلو من تعقيدات، فهو محكوم بتوازن حساس بين المصالح المتبادلة والضغوط الداخلية في كلا البلدين.
فبالنسبة للمغرب، يُعتبر التعاون مع إسبانيا ورقة دبلوماسية لتعزيز موقعه كشريك موثوق للاتحاد الأوروبي، لكنه في الوقت ذاته يتطلب موارد وإجراءات على الأرض لضبط الحدود والتعامل مع التهديدات الأمنية، مما يفرض تحديات على المدى الطويل.
أما بالنسبة لإسبانيا، فإن هذا التعاون لا يحظى بإجماع داخلي، حيث تواجه الحكومة انتقادات من بعض الأوساط الحقوقية التي تعتبر أن سياسات ضبط الهجرة يجب أن تُراعي أكثر البعد الإنساني.
وفي سياق أوسع، يتماشى هذا التعاون مع التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، إذ لم تعد القضايا الأمنية تقتصر على البعد المحلي، بل باتت تتطلب تنسيقًا دوليًا مكثفًا، وهو ما يُفسر اعتماد خارطة الطريق الطموحة بين البلدين منذ 2022.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا النموذج سيظل مرهونًا بمدى قدرة الطرفين على تحقيق توازن دائم بين الضرورات الأمنية واحترام الديناميات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالهجرة والتعاون الثنائي.