يشهد التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا تطورًا ملحوظًا، حيث انتقل من مجرد تنسيق محدود في مجال مكافحة الإرهاب إلى شراكة استراتيجية عميقة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وقد برز هذا التحول بشكل جلي من خلال الجهود المبذولة لمواجهة التحديات الأمنية المستجدة، والتي تقتضي التنسيق بين البلدين في مختلف المجالات.
في المراحل الأولى لهذا التعاون، كان الهدف الأساسي هو التصدي للتهديدات الإرهابية العابرة للحدود، حيث شكلت عمليات مكافحة الإرهاب محور التنسيق بين الأجهزة الأمنية في كلا البلدين.
ومن خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات مشتركة، تمكن الجانبان من تقليص الأنشطة الإرهابية التي كانت تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
لكن التحديات الأمنية المتزايدة، بما في ذلك الجريمة المنظمة وتهريب البشر، دفعت بالتعاون الأمني بين البلدين إلى آفاق جديدة.
هذا ما أكده بيان مشترك صدر بداية الأسبوع الجاري، عقب اجتماع عمل بين وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت ونظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، الذي شدد على الدور الحيوي للمغرب في مكافحة شبكات تهريب البشر.
وأشار البيان إلى ضرورة تعزيز التنسيق العملياتي بين البلدين، وهو ما يعكس التزامهما المشترك بمكافحة تهريب المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا السياق، وصف الوزير الإسباني غراندي مارلاسكا، المغرب، بأنه “شريك لا غنى عنه” في التصدي لهذه الشبكات، معربًا عن ارتياحه للتعاون المستمر بين البلدين في هذا المجال.
وأوضح أن التعاون في مكافحة هذه الشبكات أصبح ضرورة ملحة لضمان استقرار المنطقة، حيث أشار إلى أن تنسيق الجهود في هذا المجال أصبح عنصرًا أساسيًا في العلاقات بين البلدين.
أما في مجال الهجرة، فقد أصبح التعاون بين البلدين يشمل آليات متقدمة لضمان تدفقات الهجرة النظامية.
فقد اتفق الوزيران على أهمية تبادل المعلومات المتعلقة بحركات المهاجرين والمساهمة في تنظيم تدفقات الهجرة بطريقة تضمن عدم استغلال المهاجرين في شبكات التهريب.
وقد تم التطرق إلى هذا الموضوع خلال المباحثات التي تمحورت حول تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
وتعد “عملية مرحبا 2024” مثالاً على التنسيق الأمني الفعّال بين المغرب وإسبانيا، حيث تم خلالها ضمان عبور آمن للمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج خلال عطلتهم الصيفية.
وقد أشار البيان إلى النجاح الذي تحقق في هذه العملية، مثمنًا التعاون بين السلطات المغربية والإسبانية، الذي يعد نموذجًا للجهود المشتركة.
وعلى صعيد آخر، تناول الجانبان استعداداتهما المشتركة لتنظيم كأس العالم 2030، التي ستجمع المغرب وإسبانيا والبرتغال.
وقد أكدت التصريحات الصادرة عن الوزيرين على أهمية التنسيق الأمني لضمان تأمين الحدث الرياضي الكبير، حيث يمثل ذلك خطوة إضافية نحو تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الأمن الدولي.
ويظهر أن التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا قد تطور ليصبح شراكة استراتيجية تشمل مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة، الهجرة، والتنظيمات الرياضية الدولية.
ويعكس هذا التحول الجوهري مستوى التنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية في كلا البلدين، والذي يعزز من استقرار المنطقة ويعكس رؤية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية في العصر الحديث.