لم يعد نجاح المغرب في كسب شراكة تنظيم كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال يمثل فقط إنجازاً رياضياً، بل يشكل أيضاً درساً في كيفية تحويل التحديات الإقليمية إلى فرص كبيرة على المستوى الدولي.
ولقد أصبح النموذج المغربي الناجح، مصدر إلهام للعديد من الدول في المنطقة، ومنها تونس، التي بدأت تطرح تساؤلات حول كيفية اتباع نفس المسار.
في افتتاحيتها، تساءلت صحيفة “لوطون” التونسية عن “المانع” من أن تسعى تونس لتنظيم كأس العالم بالشراكة مع “جيرانها” الإيطاليين، وذلك بعد أن تمكن المغرب من الفوز بحق استضافة المونديال مع جيرانه الإسبان والبرتغاليين.
ويعكس هذا التساؤل رغبة تونس في الاستفادة من التجربة المغربية التي أظهرت أن التعاون بين الدول يمكن أن يفتح أمامها أبواباً لمشاريع رياضية ضخمة قد تكون بعيدة عن التصور إذا حاولت كل دولة القيام بها بمفردها.
الصحيفة التونسية لم تقتصر على تسليط الضوء على هذا المثال فقط، بل توسعت في طرح فكرة أن الرياضة يمكن أن تكون ركيزة أساسية لإعادة تونس إلى الساحة الدولية.
ففي رأي “لوطون”، يجب على تونس استثمار بنيتها التحتية الرياضية بشكل كبير للتمكن من استضافة التظاهرات الرياضية الكبرى مثل الألعاب المتوسطية والعربية والإفريقية، وهو ما يوازي في الأهمية استثمار المغرب في السنوات الأخيرة. إذ يظهر النموذج المغربي أن تنظيم مثل هذه الفعاليات يتطلب أكثر من مجرد حوافز اقتصادية، بل يحتاج إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى تستند إلى التعاون الإقليمي والتطوير المستدام للمنشآت.
وتوسعت الصحيفة في هذا السياق لتطرح فكرة بناء “قرية أولمبية” في جزيرة جربة، مشيرة إلى أن مثل هذا المشروع قد يفتح الطريق أمام تونس للترشح يوماً ما لاستضافة الألعاب الأولمبية.
ولكن، ورغم حماستها للأفكار الكبيرة، شددت الصحيفة على أن تحقيق مثل هذه الأهداف يتطلب “بلورة رؤية واضحة، واستراتيجية ذكية محددة الأهداف”، بالإضافة إلى ضرورة الابتكار في إيجاد تمويلات غير تقليدية.
ومن هنا تبرز المقارنة بين التجربة المغربية والتونسية: فالمغرب استطاع توفير التمويل اللازم لمشروعاته الرياضية عبر التنسيق مع جيرانه، مما جعله قادرًا على تأمين المساعدة التقنية والمالية، وهو ما غاب عن بعض الدول التي قد تفتقر إلى الدعم الخارجي.
وتضع الصحيفة التونسية اليد على نقطة محورية: لتحقيق النجاح في هذا المجال، يجب أن يكون هناك توجه حكومي واضح نحو الرياضة كقطاع استراتيجي. وهذا يتطلب تغييراً في العقليات والبرامج السياسية، وتحفيز القطاع الخاص والمستثمرين لدخول ميدان الرياضة. هذا التحول سيكون خطوة أولى نحو بناء دولة اجتماعية كما تراه الصحيفة، حيث الرياضة ليست مجرد نافذة للترفيه أو الفخر الوطني، بل أداة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إلى جانب ذلك، كانت الصحيفة واضحة في التأكيد على أن تونس تحتاج إلى استراتيجية أكثر إبداعاً في تمويل هذه المشاريع، وهي النقطة التي تسلط الضوء على أحد أكبر دروس التجربة المغربية: الحاجة إلى استراتيجيات مالية مبتكرة. فالمغرب لم يكتفِ بالتقليدية في تمويل مشاريعه، بل سعى إلى شراكات متعددة مع جهات دولية ومستثمرين خاصين.
والأكيد أن تونس، مثل العديد من الدول الأخرى، قد تكون في بداية الطريق نحو الاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها الرياضة كوسيلة لإعادة بناء مكانتها على الساحة الدولية. وبالتوازي مع ذلك، يظل نموذج المغرب في التعاون الإقليمي والاستثمار في البنية التحتية الرياضية مصدر إلهام حقيقي، يفتح المجال لدول المنطقة للاستفادة من الفرص التي قد لا تكون ممكنة إلا من خلال شراكات استراتيجية.