الدكتورة نادية فتح
- Advertisement -
اعتمد المغرب نظام الجهوية المتقدمة كإطار مناسب لصناعة القرار التنموي وبلورة استراتيجيات بديلة لتحقيق التنمية السوسيو-اقتصادية، خاصة بعد ثبوت محدودية نتائج تدخلات الوحدات الترابية الاخرى في استيعاب المشاكل والإكراهات التي واجهها المجال الترابي المحلي، فأصبح من اللازم التوجه نحو المجال الجهوي لمواجهة هذه الإختلالات والرفع من فرص تحقيق التنمية، والتفكير في الوسائل المؤسساتية والقانونية والتنظيمية والتمويلية لترجمتها على أرض الواقع، اعتبار لما يوفره هذا المجال من إمكانيات قائمة لتجميع الموارد وتنسيق مختلف البرامج والمخططات انطلاقا من المحلي وصولا إلى الوطني بهدف كسب رهان التنمية؛ فالإطار الترابي هنا يعد المرجعية الأكثر تجديد لتطوير منظومة الحكامة نفسها في ارتباطها بالخصوصيات المجتمعية، حيث تكمن الرؤية الجديدة للحكامة الترابية في اعتبار التراب المحلي ليس فقط جزء من المجال الطبيعي فحسب، ولكن باعتباره نظام علاقات مفتوح، حيث يكون التراب هو الركن الاساسي في حل المشاكل السوسيو-اقتصادية.
كما تعتبر العلاقة الرابطة ما بين الجهوية المتقدمة والحكامة الترابيةعلاقة وظيفية، حيث لا يتم الحديث عن الأبعاد التنموية للجهوية المتقدمة دون اللجوء لتفعيل آليات الحكامة الترابية الجيدة، فكلاهما يهدف تحسين ظروف حياة المواطنين، انطلاقا من فرضية استحالة تحقيق السياسة الجهوية للمردودية المبتغاة منها دون النهوض بالمجال الترابي واعتماد الآليات التدبيرية الحديثة وعلى رأسها تثمين الرأسمال البشري واعتماد الحكامة المالية.
- Advertisement -
فغالبا ما لا يقع الاختلاف على كون الرأسمال البشري هو الدعامة الأساسية للنهوض بالتنمية، حيث أن الموارد البشرية هي الثروة الحقيقية للأمة تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، فمهما بلغت قوة الإصلاحات المؤسساتية والقانونية وما يصاحبها من إصدار للنصوص التشريعية والتنظيمية، لن تبلغ مداها دون تثمين دور الموارد البشرية وتقوية مؤهلاتها وتزويدها بمفاهيم ووسائل الإدارة الحديثة وزيادة معارفها الإدارية والتقنية والقانونية واعتبارها حجر الزاوية في جميع تفاصيل العملية التنموية، سواء تعلق الأمر بالنخب السياسية أو الإدارية الفاعلة على مستوى التدبير الترابي.
وتأسيسا عليه، ينبغي العمل بالموازاة مع دينامية الجهوية المتقدمة، على اعتماد منظومة حديثة لتدبير الموارد البشرية على مستوى الجهات، تجعل من الشفافية والاستحقاق والتأهيل والتحفيز مقومات لها، وجعل التكوين عنصر أساسيا لتدبير الموارد البشرية والرفع من مردوديتها وجعلها تستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المسار اللامركزي، دون إغفال دور التحفيز في خلق دوافع التنافسية لدى الأطر العاملة بالإدارة الجهوية والتقييم في قياس المردودية والأداء الاداري.
- Advertisement -
وعلى هذا الأساس ينبغي العمل على وضع استراتيجية متكاملة تهدف تأهيل الموارد البشرية والرفع من كفاءتها، خصوصا وأن التعامل وفق قواعد التقنيات الحديثة في التدبير تتطلب كفاءات نوعية، قادرة على التدبير التوقعي الذي يفرض استخدام تقنيات صارمة في التحليل، تنبني على التطابق بين حاجيات الإدارة الجهوية والوسائل والآليات المتوفرة، وخلق التلاؤم المطلوب بين المسؤوليات الإدارية ومؤهلات الأطر العاملة على مستوى الإدارات الجهوية.
إن التحولات التي عرفها دور الدولة والجماعات الترابية يتطلب من المنتخبين أن يكونوا أكثر إنصاتا وواقعية عند تشخيص المشاكل والبحث عن الحلول إما بشكل انفرادي أو العمل من خلال المنظومة التعاقدية مع الهيئات والفاعلين الاخرين؛ كما أن استحضار الحكامة الترابية غالبا ما يتم داخل سياق البحث عن حلول لإخراج الجماعات الترابية عامة والجهات خاصة من المشاكل التي تعاني منها، وجعلها وسيلة لمعالجة أنماط الفعل الإداري الترابي من خلال تجديد النخب الترابية، وتجويدها؛ فتدبير الشأن الترابي يقتضي من النخب العمل على الانصات لمشاغل الساكنة والاستجابة لانتظاراتها عبر إيجاد الحلول الملائمة لكل مشكلة على حدة، من خلال التواصل المباشر مع المواطن والسعي المسؤول لتحقيق التنمية؛
فعمل المنتخب لا يجب أن يرتبط بالتسيير اليومي للشؤون الترابية فقط، بل إن التطور الذي تعيش على وقعه الجماعات الترابية عامة والجهات خاصة يستدعي من النخب أن يكونوا أكثر إبداعا ومبادرة، ويتطلب منهم القدرة على التحكم في مدى تطابق الخيارات المقترحة وتطلعات الساكنة، فالمنتخب النموذجي يجب أن يكون حريصا على استشارة الساكنة، وأن يستجيب لاحتياجاتها.
وهكذا، يمكن القول بأن النخب بجميع مستوياتها الترابية تعتبر آلية أساسية في تفعيل الحكامة الترابية، إذ تقوم بوظيفة تحقيق الإلتقائية بين جل المتدخلين في العملية التنموية بمختلف مستوياتها بغية تحقيق استقرار المجتمع واستمرار أنماط العلاقات البينية بين مؤسساته المختلفة.
كما أن كسب رهان التنمية ونجاح ورش الجهوية المتقدمة رهين بتوفر الكفاءات الإدارية والتقنية حتى تستطيع تحمل مسؤوليتها والنهوض باختصاصاتها،فإذا كان إقرار الجهة كجماعة ترابية تحتل مكانة الصدارة بالنسبة لباقي الجماعات الترابية يهدف إلى تصحيح ثغرات اللامركزية الناتجة عن التدبير الجماعي والإقليمي، فإن تحقق هذا الهدف يتوقف على الإمكانيات البشرية الموضوعة رهن إشارة الإدارة الجهوية التي ستتولى مهمة تدبير الشؤون الجهوية ومرافقة النخب السياسية بمناسبة هذا التدبير.
إن تفعيل الغايات الأساسية للجهوية المتقدمة يتطلب تعزيز القدرات التدبيرية للطاقات البشرية الفاعلة جهويا، ومما لا شك فيه أن تحسين موارد الجهات يتطلب الرفع من مستوى التأطير بها، خاصة وأن الجهات تقوم بتدبير الشؤون التنموية الجهوية وتقوم ببلورة استراتيجيات تنموية مهمة، فممارستها لاختصاصاتها يقتضي تحسين القدرات التدبيرية للمنتخبين الجهويين والاطر الإدارية والتقنية وتكوينها لاضطلاع بمهامها التنموية.