يؤكد تجديد الإدارة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء أن هذا القرار لم يعد موقفا ظرفيا، بل أصبح عنصرا ثابتا في العقيدة الدبلوماسية لواشنطن في شمال إفريقيا، يقوم على دعم شريك استراتيجي يُنظر إليه كفاعل محوري في استقرار المنطقة وممر حيوي نحو القارة الإفريقية.
ويأتي هذا الموقف بعد مرور خمس سنوات على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في دجنبر 2020، اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، في خطوة وُصفت حينها بـ”التاريخية”.
وقد أعادت الإدارة الحالية التأكيد عليها مع بداية الولاية الثانية لترامب، خلال سلسلة من اللقاءات الرسمية والتصريحات الصادرة عن مسؤولين أمريكيين، أبرزهم كاتب الدولة ماركو روبيو، وعضو الكونغرس ماريو دياز-بالارت.
لكن، وعلى الرغم من الزخم السياسي الذي يمثله هذا الدعم الأمريكي، فإن المغرب لم ينتظر قرار واشنطن لتكريس حضوره في أقاليمه الجنوبية. فمنذ سنوات، تبنت المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس مقاربة تنموية شاملة تقوم على الاستثمار في البنيات التحتية، والنهوض بالخدمات، وتعزيز الربط الاقتصادي بين شمال البلاد وجنوبها، باعتبار أن الصحراء تشكل امتداداً طبيعياً وعضوياً للمجال الوطني.
ففي عام 2015، أطلقت الرباط النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وهو مشروع استراتيجي رصد له أكثر من 77 مليار درهم، يهدف إلى تحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي مندمج، وإرساء عدالة مجالية فعلية.
ومن أبرز تجليات هذه الدينامية مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُنتظر أن يشكل بوابة كبرى على إفريقيا جنوب الصحراء، وركيزة لتكامل اقتصادي إفريقي.
وخلال لقائه مع نظيره المغربي، أكد ماركو روبيو أن “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الجدي والواقعي”، مشدداً على أن الولايات المتحدة “تدعم هذا المقترح منذ سنة 2020، وستواصل دعمه بوصفه أساساً لحل دائم للنزاع”.
من جهته، قال النائب الجمهوري ماريو دياز-بالارت إن “ثبات الموقف الأمريكي يعكس وضوح رؤية الرئيس ترامب وتقديره للدور الذي يضطلع به المغرب إقليمياً ودولياً”.
وعلى الضفة الأوروبية، اعتبر الخبير الفرنسي إيميريك شوبراد أن تجديد واشنطن موقفها “يشكل رسالة قوية إلى باقي العواصم الدولية”، داعياً دول الاتحاد الأوروبي إلى “التفاعل مع هذه الدينامية الواقعية”.
أما كريستوف بوتان، الخبير في الجيوسياسية، فقد أشار إلى أن “الموقف الأمريكي بات مرجعا دبلوماسيا يدفع نحو إعادة تشكيل المواقف الدولية إزاء النزاع، في ظل تأكيد مغربية الصحراء من طرف قوى كبرى”.
ويستند المغرب في تحركاته الدبلوماسية إلى شرعية تاريخية وقانونية، وإلى دعم أممي متزايد لمقترحه بالحكم الذاتي، الذي اعتبره مجلس الأمن أكثر من مرة “جدياً وذا مصداقية”.
كما أن ما يزيد عن 30 دولة افتتحت قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، في تعبير ملموس عن الاعتراف بسيادة المملكة.
ويُنظر إلى التجديد الأمريكي لموقف 2020، بعد عودة ترامب إلى السلطة، باعتباره تعزيزاً لدينامية دولية تتسع لصالح الطرح المغربي، في مقابل تآكل التأييد لأطروحة الانفصال التي تدفع بها الجزائر.
وبينما تتجه واشنطن نحو تعميق شراكاتها مع الرباط في مجالات الأمن والطاقة والتكنولوجيا، يتعزز حضور المغرب كركيزة استقرار إقليمي، وفاعل مسؤول في محيط متعدد التهديدات.