يتخذ الهجوم الرقمي الذي يستهدف المنصات المغربية طابعا منهجيا متصاعدا، تقوده حسابات وهمية تُدار من بيئات شبكية مغلقة، في ما بات يُعرف اصطلاحا بـ”الذباب الجزائري الإلكتروني”؛ وهو توصيف يُطلق على مجموعات من المستخدمين المزيفين الذين ينفذون عمليات سيبرانية منخفضة المستوى، تعتمد على التكرار الآلي، والبث المكثف للمحتوى السام، والتخريب المعنوي المنظَّم.
في ظاهرها، تبدو هذه الحسابات مجرد تعليقات بذيئة أو صور مركبة، لكنها من الناحية التقنية تُظهر مؤشرات واضحة على العمل وفق بروتوكولات شبه عسكرية: استعمال متكرر لنفس البصمة اللغوية، توزيع زمني للهجمات، استهداف متزامن لصفحات بعينها، واستعمال شبكات افتراضية خاصة (VPN) لإخفاء المصدر الجغرافي الحقيقي.
واللافت أن هذه الكائنات الرقمية – إن جاز التعبير – تنشط داخل مستنقعات الخوادم المجهولة، وتستمد وجودها من “بروكسيات” الكراهية، ولا تمتلك أي قدر من الذكاء التفاعلي أو الحس النقدي. فهي مجرد نسخ مكررة، تنفذ أوامر برمجية بدائية، وتتغذى على كل منشور مغربي كما تتغذى البرمجيات الخبيثة على ثغرات النظام.
أي صفحة مغربية نشيطة، سواء كانت رياضية، ثقافية، أو اجتماعية، لا تلبث أن تتحول إلى هدف لـ”هجمات إغراق” رقمية، حيث تتكاثر التعليقات المسيئة بطريقة تشبه انتشار الفيروسات داخل نظام غير محمي.
ليس مهما مضمون الصفحة، ولا طبيعة النقاش المطروح، فالمحدد الوحيد هو: هل تنتمي هذه الصفحة إلى المغرب؟ إن كان الجواب نعم، تبدأ موجة التلوث.
وينخرط هذا الذباب في ما يُعرف بـ”الهندسة المعكوسة للرأي العام”، عبر بث صور مشوهة، وشن حملات تنمر رقمية، وترويج أخبار مفبركة، تهدف جميعها إلى اختراق المجال السيبراني المغربي، وتفجير أي نقاش داخلي عبر الإغراق في التفاهة والإسفاف.
ويؤكد الخبير في تحليل البيانات الرقمية وأمن المعلومات، عبد المغيث الشيباني، أن “الأنماط السلوكية للذباب الجزائري تتطابق مع ما يُعرف في المجال السيبراني بالبوتات البشرية الموجهة، حيث يتم تلقين الحسابات شبه الآلية مجموعة من الكلمات المفتاحية ونقاط الاستهداف، ثم تُطلق في موجات متكررة لضرب التماسك الرقمي في فضاءات الخصم”.
ويضيف الشيباني في تصريح لصحيفة وطن 24 الالكترونية، أن “من بين أبرز مؤشرات التنسيق نجد التشابه التركيبي في بنية التعليقات، والتوقيت المتزامن في التدخل، بالإضافة إلى اعتماد قوالب هجومية ثابتة بغض النظر عن محتوى المنشور، وهو ما يشير إلى نمط برمجي مبسط يُدار عن بعد، وليس إلى ردود أفعال حقيقية”.
ولا يقتصر نشاط هذه الحسابات على الفضاء الأزرق (فيسبوك)، بل يمتد إلى منصات مثل يوتيوب، تويتر، وإنستغرام، حيث تم رصد عشرات التعليقات المتكررة بنفس الصياغة والرموز، مما يدل على اعتماد “بوتات بشرية” مبرمجة وفق تعليمات مركزية أو مدعومة ضمنيا من جهات لا تُخفي خصومتها التاريخية مع المغرب.
وفي غياب أي إدانة رسمية من السلطات الجزائرية، تبقى هذه الظاهرة شاهدا على مستوى متدنٍّ من الوعي السياسي والأخلاقي، حيث تتحول فئات من المستخدمين إلى أدوات تشويش بدائي، فاقدة للتمييز، وتعمل بمنطق الكراهية المجردة، دون أدنى احترام لحدود السيادة الرقمية أو ميثاق التواصل المدني.
لقد بات من الواضح أن الذباب الجزائري لا يمثل فقط انحرافا عن قواعد النقاش، بل يُجسد صورة رقمية لانحطاط وظيفي داخل الفضاء السيبراني المغاربي، حيث تُستعمل الأدوات الحديثة لتكريس التخلف التواصلي، وتُوجّه البنية الشبكية لأغراض عدائية فجة، تُجهِض كل إمكان للتقارب الشعبي.
وفيما يواصل هذا الذباب التحليق على مستوى منخفض، يكتفي بحفر أخاديد الحقد في كل محتوى مغربي يلتقط بعض الضوء، ثم يختفي في العتمة، مكرّسا صورة مرضيّة لا تليق بمحيط مغاربي طامح إلى الارتقاء.