ما يزال انقطاع الكهرباء الواسع الذي شهدته إسبانيا يوم 28 أبريل 2025 يثير اهتمام المراقبين والفاعلين في قطاع الطاقة، بعدما أبان عن فعالية نادرة لنظام الربط الكهربائي بين ثلاث دول: المغرب، إسبانيا، وفرنسا.
وشكّلت هذه الحادثة التقنية، التي فقدت خلالها الشبكة الإسبانية نحو 15 جيغاواط من القدرة في ظرف خمس ثوان، أول اختبار عملي حقيقي للبنية التحتية الطاقية العابرة للحدود، والتي طالما تم تقديمها كرهان استراتيجي على الورق.
وأقر رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، في جلسة برلمانية، بالدور الحيوي الذي لعبته “محطات الدورة المركبة، والسدود، والروابط مع فرنسا والمغرب”، مؤكدا أن هذا التدخل الفوري ساهم في استعادة التيار الكهربائي بسرعة خلال اللحظات الأولى من الانقطاع. وهو تصريح يضع الشراكة الطاقية المغربية الإسبانية في قلب معادلة الأمن الكهربائي الإقليمي، بعيداً عن أدوار التبعية أو الدعم الظرفي.
ويُعد الربط الكهربائي بين المغرب وإسبانيا من أقدم نماذج التعاون الطاقي جنوب المتوسط، إذ تعود بدايته إلى سنة 1997، قبل أن يتم تعزيزه بخط ثانٍ لاحقاً.
وتبلغ القدرة الحالية للربط 1400 ميغاواط، مع وجود مشروع ثالث قيد الدراسة. ويتميّز هذا الربط بكونه ثنائي الاتجاه، ما يتيح مرونة في التبادل حسب الطلب والضغط على الشبكتين.
ورغم أن المغرب لا يزال يستورد جزءا من حاجياته من الكهرباء عبر هذا الربط، فإن اللحظة الأخيرة أظهرت أن الاعتماد المتبادل يمكن أن يكون خياراً ذكياً لمواجهة حالات الطوارئ، وهو ما أشار إليه خبراء في مؤسسات إسبانية وأوروبية معنية بقطاع الطاقة.
وفي السياق نفسه، أفادت تقارير تقنية أولية صادرة عن شركة تشغيل شبكة الكهرباء الإسبانية (REE) أن استقرار الشبكة ما كان ليتحقق بنفس السرعة لولا الاستعانة الفورية بخطوط الربط مع الخارج، خاصة عبر فرنسا والمغرب.
وهو ما يفتح النقاش من جديد حول ضرورة تعزيز هذه الروابط، ليس فقط لمواجهة الأعطاب، بل لتدبير الانتقال الطاقي نحو مصادر متجددة بشكل منسق ومتعدد الأطراف.
ويأتي هذا التطور قبل أشهر من انعقاد القمة المغربية الإسبانية المرتقبة، حيث يُنتظر أن تهيمن قضايا الربط الكهربائي وتصدير الهيدروجين الأخضر على أجندة المباحثات، في وقت تواصل فيه الرباط تسريع استثماراتها في مجال الطاقات المتجددة.
من جهتها، ترى بعض مراكز التفكير الأوروبية أن ما حدث نهاية أبريل قد يُعاد تفسيره لاحقا كـ”نقطة تحوّل صامتة”، جعلت من الربط الكهربائي الثلاثي إطارا سياديا مشتركا، يتجاوز دوره التقني إلى بعد استراتيجي يهم استقرار الضفة الغربية للمتوسط.
وهكذا تبرز الشراكة المغربية الإسبانية في مجال الكهرباء كنموذج عملي للتعاون الطاقي الإقليمي، يقوم على النجاعة والتكامل، ويعيد رسم خرائط الاعتماد المتبادل في زمن التقلبات المناخية والرهانات الجيوسياسية المعقدة.