في خطوة تعزز العلاقات المتنامية بين المغرب وإسبانيا، عاد الحديث مجددًا عن مشروع النفق البحري الذي سيربط بين البلدين عبر مضيق جبل طارق. يأتي هذا التطور في ظل التقارب الدبلوماسي بين الرباط ومدريد، حيث أعلن وزير النقل الإسباني، أوسكار بوانتي، خلال صيف 2024 عن نيته عقد اجتماع يضم شركات مغربية وإسبانية لاستكمال الدراسات المتعلقة بالمشروع.
خلفية المشروع الطموح
تعود جذور فكرة النفق البحري إلى أواخر الثمانينيات عندما وقع المغرب وإسبانيا اتفاقية تعاون تهدف في البداية إلى بناء جسر يعبر المضيق. إلا أن تطور الرؤى التقنية قاد المهندسين في عام 1995 إلى طرح حل أكثر طموحًا، وهو بناء نفق بحري لنقل القطارات تحت الماء.
ورغم مرور سنوات من الجمود، لم يُلغَ هذا الحلم كليًا، بل اكتسب زخمًا جديدًا في السنوات الأخيرة. يأتي ذلك في ظل رغبة البلدين في تعزيز روابطهما الاقتصادية واللوجستية، خاصة مع ازدياد أهمية الربط بين أوروبا وإفريقيا.
التحديات التقنية والهندسية
يعد النفق البحري المزمع تنفيذه إنجازًا هندسيًا غير مسبوق في المنطقة. وفقًا للمخططات الحالية، سيبلغ طول النفق حوالي 38.5 كيلومترًا، منها 28 كيلومترًا ستمر تحت البحر. وسيربط المشروع مدينة مالاباطا بالقرب من طنجة في المغرب بمنطقة بونتا بالوما في إسبانيا، ويصل عمقه إلى حوالي 100 متر تحت سطح البحر، ما سيمكن من عبور المضيق في غضون 30 دقيقة.
ورغم أن التحديات الجيولوجية كبيرة، خاصةً أن المضيق يقع على تقاطع الصفائح التكتونية الأوروبية والإفريقية، فإن المهندسين يعتبرون أن المشروع قابل للتنفيذ، حيث تشير الدراسات إلى أن المنطقة لا تشهد سوى زلازل صغيرة غير مؤثرة.
الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية
يتوقع أن يتجاوز تكلفة المشروع 26 مليار يورو، ما يعكس تعقيداته التقنية. لكن هذه التكلفة يمكن أن تعود بالفائدة من خلال تعزيز حركة التجارة والعبور بين أوروبا وإفريقيا. إذ يتوقع أن يشهد النفق مرور حوالي 13 مليون طن من البضائع سنويًا، إلى جانب 12.8 مليون مسافر.
ويعد المشروع أيضًا فرصة لتطوير شبكات الاتصالات والطاقة بين البلدين، بما في ذلك إمكانية توليد الطاقة من تيارات المضيق، مما يعزز من الجدوى الاقتصادية للنفق على المدى البعيد.
دعم دولي وسياق دبلوماسي إيجابي
تلقى مشروع النفق دعمًا دوليًا كبيرًا، حيث أبدت كل من الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، الصين، اليابان، الإمارات والسعودية اهتمامها بالمشاركة في تمويله. كما عبرت مؤسسات مالية كالبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي والبنك الإسلامي للتنمية عن استعدادها لدعمه.
يأتي هذا الاهتمام الدولي في ظل تحسن العلاقات المغربية الإسبانية بعد اعتراف مدريد بخطة المغرب لحل قضية الصحراء الغربية في 2022، مما فتح الباب أمام تعاون أوسع بين البلدين في عدة مجالات.
مستقبل المشروع
خصصت الحكومة الإسبانية ميزانية أولية لدراسة الجدوى بقيمة 750 ألف يورو، في خطوة تعكس التزامها بالمضي قدمًا في تنفيذ المشروع. ويأمل المسؤولون في بدء الأعمال الإنشائية قبل عام 2030، مع احتمال أن يكون النفق جاهزًا قبل استضافة المغرب وإسبانيا لكأس العالم لكرة القدم في ذات العام، مما سيعزز من أهمية المشروع كرمز للتعاون بين القارتين.
بمرور الوقت، قد يتحول هذا النفق إلى جسر ثقافي واقتصادي يعزز من التكامل بين أوروبا وإفريقيا، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات متعددة.