سمعنا الكثير عن رغبة الحكومة السودانية تعديل بعض القوانين والأوضاع الخاصة بمهنة التنقيب عن الذهب في السودان، وكالعادة يتم ذلك تحت شعارات براقة ايجابية مثل الاصلاح والقوننة وغيرها.
بحسب عدد من الدراسات والمصادر المحلية فاليوم في السودان الاف العاملين بهذا القطاع، يقومون بالتنقيب عن الذهب بالطرق التقليدية القديمة وهو العمل الذي يأتي لهم بدخل محدود قد لا يتجاوز 10 أو 15 دولار يومياً.
طبعاً معظم العاملين هم من القطاع الخاص أي أنهم لا يعملون بشكل رسمي، وتريد الحكومة الآن منع العمل الخاص في هذا القطاع وتنظيمه ليكون عملاً رسميا عبر شركات يتم التعاقد معها من قبل الحكومة وتقوم هذه الشركات بتوظيف العمال بشكل رسمي ومن ضمنهم العمال السابقون الذين كانوا يعملون بشكل خاص، يعني أن آلاف السودانيين العاملين في هذا المجال سيتم نقلهلم من العمل الخاص في الظل، الى العمل بشكل منظم لدى شركات يتم التعاقد معها.
للوهلة الأولى يبدو أنه لا مشكلة في هذا، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، أولاً وبحسب عدد من المراقبين والمصادر الموثوقة فبالنسبة للعامل البسيط سيعني هذا انخفاض في الدخل بحوالي 5 أو 6 مرات ليصبح لا يتجاوز 3 دولارات يومياً، لأنه من المعلوم أن الشركات الكبيرة تأخذ النسبة الأكبر من الأرباح لها، وتترك لعمالها البسطاء الجزء اليسير.
والأمر الآخر المهم هو نوع هذه الشركات التي ستقوم بالاستثمار في قطاع التنقيب عن الذهب، لانه كما هو معلوم السودان ليست لديه التقنيات الحديثة ولا شركات كبيرة عاملة في هذا المجال، مما يعني جذب شركات أجنبية عاملة التي طبعا بدورها ستستغل غياب التكنولوجيا الضرورية في السودان وتضع شروطاً مجحفة للعمل ومن بينها طبعاً الحصول على النسبة الأكبر من الأرباح.
منذ عدة أيام شهدت العاصمة الفرنسية باريس مؤتمراً للمانحين وللدول المساعدة للسودان وتقرر في المؤتمر شطب نسبة من الديون على السودان، وتهيئة الظروف للقيام بالاستثمار، ومن بين الأمور طبعاً الاستثمار في قطاع الذهب، والتعاقد مع شركات غربية للقيام بذلك، علماً أنه من المخطط تحويل الاف العاملين السودانيين الى العمل لصالح هذه الشركات، أي ومن أجل تحقيق مصالح هذه الشركات ودولها وتحت شعار الاصلاح سيتم تحويل الاف السودانيين الى قوة عاملة في ظروف عمل تصل لحد العبودية، نظراً للانخفاض المتوقع بالأجور، أي سيكون العامل السوداني أمام خيارين اما الاستمرار بالعمل في التنقيب عن الذهب لكن تحت سلطة الشركات الأجنبية ومقابل دخل أقل من 20% من الدخل الحالي، أو أن يرمى في الشارع عاطلاً عن العمل ليبحث عن عمل اخر.
إذا نظرنا الى الصورة الكبيرة وبشكل عام، فان ما يحصل الان هو عملية تحويل السودان الى صين أفريقية تعمل على أرضها الشركات الأجنبية باستخدام القوة العاملة المحلية التي تتقاضى أجور منخفضة بالكاد تسد حاجات المعيشة.
الحكومة السودانية يبدو انها لا تفهم أو لا تريد أن تفهم أن جذب الاستثمارات والانفتاح الاقتصادي لا يعني بالضرورة تسليم السودان أرضاً وشعباً للشركات العالمية وللبنك الدولي، لكن هذا ما يحصل ولو بالتدريج. كل شيء لمصلحة الدول الغربية وشركاتها. والمتضرر هو كالعادة المواطن السوداني البسيط.