يستعد المغرب لتطبيق إصلاحات تهدف إلى معالجة أزمة الديون المتعثرة في القطاع البنكي، والتي بلغت قيمتها 98 مليار درهم، عبر إنشاء سوق ثانوية لهذه الديون.
وتهدف هذه الخطوة، التي يشرف عليها بنك المغرب بالتعاون مع مؤسسات حكومية ودولية، إلى تخفيف العبء على البنوك وتعزيز السيولة في النظام المالي.
وقال عبد الرحيم بوعزة، المدير العام لبنك المغرب، خلال ندوة بالدار البيضاء يوم الخميس، إن المشروع يهدف إلى “إزالة العقبات القانونية والإجرائية التي تعيق نقل الديون المتعثرة بشكل مباشر”، مضيفًا أن السوق الجديدة ستتيح للبنوك التخلص من هذه الديون وإعادة تخصيص مواردها لدعم الاقتصاد.
وأوضح بوعزة أن حجم الديون المتعثرة تضاعف خلال العقد الماضي نتيجة التحديات الاقتصادية المتزايدة، مشيرًا إلى أن هذه الديون تشكل حوالي 7% من الناتج الداخلي الإجمالي.
وأضاف أن “ارتفاع هذه الديون يعكس تأثيرات الصدمات الاقتصادية المتتالية وزيادة الشكوك في البيئة الدولية”.
تتطلب الديون المتعثرة موارد مالية كبيرة لإدارتها، كما تؤثر على سيولة البنوك.
وأشار بوعزة إلى أن متوسط احتياجات السيولة للبنوك يقدر بـ120 مليار درهم، يتم تغطيته حاليًا عبر تدخلات بنك المغرب.
وأوضح ديفيد تينيل، الممثل الإقليمي للمؤسسة المالية الدولية في منطقة المغرب العربي، أن إطلاق هذه السوق سيتيح ظهور فاعلين ماليين جدد يمكنهم شراء الديون المتعثرة، مما يسهم في تخفيف الضغط على البنوك وتحفيز الاقتصاد.
وأضاف أن تجارب دولية، خصوصًا في أوروبا بين عامي 2014 و2022، أظهرت أن الأسواق الثانوية للديون المتعثرة يمكن أن تسهم في إعادة هيكلة القطاع البنكي وخلق فرص جديدة للتمويل.
يتضمن المشروع إصلاحات تشريعية تهدف إلى تبسيط الإجراءات القانونية، بما في ذلك إلغاء شرط موافقة المدين على نقل الديون.
كما يهدف إلى تقليص المدة الزمنية التي تبقى فيها هذه الديون مدرجة ضمن ميزانيات البنوك، والتي تصل حاليًا إلى خمس سنوات بسبب قواعد جبائية صارمة.
وأكد بوعزة أن الإصلاح يتم بتنسيق بين لجنة مؤسساتية تضم وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة العدل والهيئات القضائية، مشيرًا إلى أن المقاربة تعتمد على استشارات مكثفة مع القطاع البنكي لضمان توافق المشروع مع الواقع السوقي وتحديد التحديات التشغيلية.
يرى الخبراء أن هذه الإصلاحات ستعزز من مرونة القطاع البنكي في مواجهة الصدمات، وتحرر رؤوس الأموال العالقة، ما يسمح بزيادة تمويل المشاريع الاقتصادية وتحفيز النمو.
كما ستساهم السوق الثانوية في تقوية الاستقرار المالي وجذب مستثمرين جدد.
وبينما يواجه الاقتصاد المغربي تحديات محلية ودولية، يُنظر إلى هذا المشروع كخطوة استراتيجية لإعادة هيكلة النظام المالي وتحقيق توازن أكبر بين المخاطر والفرص.
*السوق الثانوية للديون المتعثرة*
ويقصد بالسوق الثانوية للديون المتعثرة، تلك السوق التي ستسمح للبنوك ببيع الديون المتعثرة إلى مستثمرين متخصصين أو مؤسسات مالية، مما يسهم في التخلص من الأعباء المالية التي تشكلها هذه الديون.
ويهدف هذا النوع من الأسواق إلى تسهيل عملية بيع الديون التي يصعب تحصيلها، وبالتالي تمكين البنوك من تجديد مواردها المالية واستخدامها في تمويل مشاريع جديدة، مما يعزز قدرة النظام المالي على مواجهة التحديات الاقتصادية.
وتتميز هذه السوق بمرونة أكبر مقارنة بالسوق الأولية، حيث يمكن للبنوك طرح ديونها المتعثرة بأسعار أقل من قيمتها الأصلية، ما يسهم في جذب مستثمرين متخصصين يسعون للاستفادة من هذه الفرص.
ويعد إنشاء هذه السوق خطوة مهمة لتحسين فعالية آليات إعادة الهيكلة المالية في المغرب، حيث ستساعد في تقليص المخاطر المالية على البنوك والمستثمرين على حد سواء.
ومن المتوقع أن تساهم هذه السوق في رفع كفاءة البنوك المغربية على المستوى الدولي، حيث ستتيح لها تقليص حجم الديون المتعثرة في ميزانياتها، وبالتالي تحسين تصنيفاتها الائتمانية، وهو ما يمكن أن يسهم في جذب استثمارات أجنبية جديدة.