مع تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، تتجه الأنظار إلى مستقبل العلاقات المغربية السورية، في ظل مقاربة الرباط التي تقوم على دعم الاستقرار مع الحفاظ على مواقفها الثابتة بشأن الأوضاع الإقليمية.
وقد اتخذ المغرب، الذي قطع علاقاته مع دمشق عام 2013 بسبب الحرب الأهلية، نهجًا متوازنًا خلال السنوات الماضية، متجنبًا الاصطفاف مع أي من الأطراف المتصارعة، ومؤكدًا على ضرورة حل سياسي يحفظ وحدة سوريا واستقرارها.
وحملت برقية التهنئة التي بعثها الملك محمد السادس إلى الشرع دلالات سياسية تتجاوز البعد البروتوكولي، إذ جاءت في سياق إقليمي متغير يتسم بإعادة ترتيب العلاقات العربية مع دمشق بعد سنوات من القطيعة.
ويفتح المغرب، الذي لطالما ربط موقفه من الأزمة السورية بمحددات تتعلق بالشرعية الدولية والاستقرار الإقليمي، من خلال هذه التهنئة بابًا أمام احتمال إعادة تقييم علاقاته مع سوريا، لكن دون استعجال، إذ يرتبط ذلك بعدة اعتبارات تتجاوز الجانب الثنائي.
تاريخيًا، كانت العلاقات المغربية السورية تتسم بتقلبات حادة، إذ شهدت فترات من التقارب السياسي والتعاون الاقتصادي، مقابل مراحل من الفتور والخلافات نتيجة اختلاف التوجهات الإقليمية للبلدين.
وفي السنوات الأخيرة، التزم المغرب بموقف داعم للشعب السوري من خلال المساعدات الإنسانية والمستشفى الميداني الذي أقامه في مخيم الزعتري بالأردن، في خطوة عكست رغبة الرباط في عدم القطيعة الكاملة مع سوريا، رغم تعليق العلاقات الدبلوماسية.
السيناريو الأقرب في المرحلة المقبلة هو أن يعتمد المغرب سياسة الانتظار والترقب، مع إمكانية تفعيل قنوات اتصال غير رسمية لتقييم مدى جدية المرحلة الانتقالية في سوريا ومدى توافقها مع الرؤية المغربية للاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من أن عدداً من الدول العربية أعادت علاقاتها تدريجيًا مع دمشق، فإن المغرب يضع شروطًا واضحة لأي تطبيع محتمل، أبرزها مدى التزام القيادة السورية الجديدة بعملية سياسية شاملة ووجود موقف عربي موحد تجاه مستقبل سوريا.
من ناحية أخرى، تبرز البعد الاقتصادي كعامل مؤثر في أي تقارب محتمل، إذ كانت سوريا قبل الحرب سوقًا واعدة للاستثمارات المغربية، خاصة في قطاعي العقار والفلاحة، كما أن عودة النشاط التجاري بين البلدين قد تشكل دافعًا إضافيًا لتعزيز العلاقات مستقبلاً.
لكن هذه المعطيات تظل رهينة بتطورات المشهد السوري الداخلي، ومدى قدرة القيادة الجديدة على توفير بيئة مستقرة يمكن أن تشجع عودة العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
ورغم أن المغرب ينأى بنفسه عن أي تدخل مباشر في الشؤون الداخلية للدول، فإن موقعه كدولة ذات تأثير دبلوماسي داخل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية يجعله في موقف يسمح له بلعب دور في صياغة مقاربة عربية أوسع تجاه سوريا.
ومن المرجح أن يتعامل المغرب بحذر مع أي خطوات تجاه دمشق، مستندًا إلى قرارات الجامعة العربية والتوافقات الإقليمية، دون أن يبادر إلى أي تحرك منفرد قد يتعارض مع أجندته الدبلوماسية.
في المحصلة، يظل مستقبل العلاقات المغربية السورية مرهونًا بتطورات المرحلة الانتقالية في دمشق ومدى قدرة القيادة الجديدة على كسب الشرعية الداخلية والدولية.
وفيما تبقى برقية التهنئة إشارة إلى انفتاح مشروط، فإن أي خطوات إضافية ستعتمد على مدى استجابة سوريا لمتطلبات الحل السياسي واستعادة دورها ضمن المنظومة العربية، وهي عوامل ستحدد ما إذا كان المغرب سيعيد فتح صفحة جديدة مع دمشق أم سيظل متمسكًا بحالة الترقب الحذر.