في سياق عالمي يتّسم بتصاعد الحواجز التجارية وتزايد الرسوم الجمركية، يبرز المغرب بشكل متنامٍ كأحد النماذج القليلة التي نجحت في التموقع كملاذ للاستقرار، وفق ما جاء في تحليل نشرته صحيفة إل إيكونوميستا الإسبانية المتخصصة في الشأن الاقتصادي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرباط، مستفيدة من موقعها الجغرافي ومؤهلاتها في التجارة الدولية، باتت تشكل “جزيرة من الاستقرار الجمركي في عالم يعيش في حالة من الاضطراب الكامل”، في إشارة إلى الاضطرابات المتسارعة التي تطبع العلاقات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى.
ولفتت الصحيفة إلى أن المغرب، على عكس العديد من الدول التي وجدت نفسها في مرمى التصعيد الجمركي الأميركي، لا يزال يحتفظ بمعاملة تجارية تفضيلية من طرف واشنطن، برسوم جمركية لا تتجاوز 10 في المائة، وهي النسبة الدنيا التي حددتها الإدارة الأميركية.
وبالمقارنة، أشارت إل إيكونوميستا إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه رسوما تصل إلى 20 في المائة، بينما تفرض على الجزائر وتونس نسب أعلى، تصل إلى 30 و28 في المائة توالياً، ما يجعل من المغرب استثناءً لافتاً في الخريطة التجارية الجديدة التي تُرسم تحت ضغط التوترات الجيوسياسية.
المملكة، وهي تستفيد من أدنى مستوى للرسوم الجمركية، تبدو مؤهلة للتموقع كشريك محايد في بيئة دولية تتجه نحو الاستقطاب الحاد.
وفسرت الصحيفة الإسبانية هذا الوضع بمتانة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وواشنطن، معتبرة أن “هذه المعاملة التفضيلية توحي بأن المغرب قد يبرز كأحد المستفيدين الكبار في إعادة تشكيل التجارة الدولية الجارية على الصعيد العالمي”.
وذهبت الصحيفة إلى اعتبار هذا المعطى نقطة تحول محتملة للاقتصاد المغربي، الذي قد يجد في هذا الظرف الدولي فرصة سانحة لتعزيز جاذبيته كمركز صناعي بديل، خصوصا بالنسبة للشركات التي تسعى إلى تقليص اعتمادها على الأسواق التي أصبحت أكثر عرضة للحمائية.
وتوقفت الصحيفة عند ما وصفته بـ”الدعم غير المباشر” الذي تقدمه الولايات المتحدة للمغرب، مشيرة إلى أن المملكة، وهي تستفيد من أدنى مستوى للرسوم الجمركية، تبدو مؤهلة للتموقع كشريك “محايد” في بيئة دولية تتجه نحو الاستقطاب الحاد.
كما أن الموقع الجيوستراتيجي للمغرب، عند ملتقى أوروبا وإفريقيا، يمنحه أفضلية إضافية تؤهله لأن يتحول إلى منصة تصنيعية وتصديرية تحظى بثقة متزايدة من جانب الفاعلين الدوليين.
لكن التحليل لا يخلو من إشارة ضمنية إلى الرهانات المرتبطة بهذه الدينامية الجديدة، إذ إن الاستفادة من هذا التموقع لا تتوقف فقط عند المعطيات الظرفية، بل تتطلب من المغرب مضاعفة الجهود في ما يخص تحسين مناخ الأعمال، وتطوير البنيات الصناعية، وضمان الاستقرار التنظيمي، حتى يتحول هذا الامتياز التجاري إلى مكسب اقتصادي دائم، لا إلى فرصة عابرة.