وقع المغرب والعراق، يوم الخميس، مذكرة تفاهم قضائية تهدف إلى تعزيز التعاون المؤسسي بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمملكة المغربية، ومجلس القضاء الأعلى بجمهورية العراق، في خطوة تعكس تقاربا في الرؤية بخصوص تحديث العدالة وبناء الثقة في المؤسسات.
وذكر بلاغ مشترك صادر عن الجانبين أن التوقيع تم بالعاصمة العراقية بغداد، خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، حيث التقى رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، فائق زيدان، وتم التوقيع على وثيقة تضبط المبادئ العامة للتعاون القضائي بين المؤسستين.
وبحسب المصدر ذاته، تنص المذكرة على تبادل الخبرات والمعرفة في مجال التنظيم القضائي، وتنظيم زيارات مهنية ودورات تدريب للقضاة، إلى جانب ندوات علمية ولقاءات متخصصة.
كما نصت الوثيقة على تبادل الإصدارات والاجتهادات القضائية، والسعي إلى إبرام اتفاق توأمة بين محكمة النقض المغربية ومحكمة التمييز الاتحادية العراقية.
ويهدف هذا المسار، وفق ما جاء في البلاغ، إلى تعميق المعرفة المتبادلة وتعزيز استقلالية السلطة القضائية، بوصفها ركيزة مركزية في ترسيخ دولة القانون وحماية الحقوق والحريات الأساسية.
وتندرج هذه الخطوة، حسب الملاحظين، في إطار توجه مغربي نحو توسيع مجالات التعاون المؤسساتي مع بلدان المشرق، عبر آليات ثنائية تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتعتمد أدوات عملية مثل التكوين والتوأمة وتبادل الخبرات.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى المذكرة الموقعة باعتبارها مدخلاً لإرساء علاقة قضائية ذات بعد استراتيجي، على قاعدة المساواة المؤسسية والانفتاح المتبادل.
وشهدت زيارة الوفد المغربي استقبالًا رسميًا رفيعًا، حيث التقى عبد النباوي برئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وبـرئيس مجلس النواب، محمود المشهداني.
وذكر البلاغ أن المحادثات تمحورت حول أهمية القضاء في تعزيز الأمن القانوني، وحماية المؤسسات، وبناء الثقة في العدالة، إلى جانب استحضار الروابط التاريخية التي تجمع بين الرباط وبغداد.
وتُعد هذه أول مبادرة قضائية ثنائية بهذا المستوى بين البلدين منذ سنوات، في وقت تسعى فيه المملكة المغربية إلى تثبيت حضورها المؤسساتي داخل الفضاء العربي، من بوابة الشراكات القضائية، لا فقط عبر المسارات السياسية أو الاقتصادية التقليدية.
من جانب آخر، تعكس مشاركة المجلس الأعلى للسلطة القضائية المغربي، الذي يترأسه الملك محمد السادس بصفته الضامن لاستقلال القضاء، البعد السيادي للمؤسسة، ما يضفي على التفاهمات المبرمة بعدًا يتجاوز التنسيق الفني، ويمسّ منطق البناء المؤسسي ذاته.
وفي المقابل، يرى متابعون في بغداد أن العراق، الذي يخوض مسارًا معقدًا لإعادة هيكلة مؤسساته، ينظر بإيجابية إلى التجربة القضائية المغربية، خاصة في ما يتعلق بإصلاح منظومة العدالة وتخليق المرفق القضائي.
وتوفر الاتفاقية الجديدة إطارًا رسميًا لتبادل الرؤى بشأن مواضيع تهم الجانبين، في ظرفية إقليمية تتطلب مداخل قانونية أكثر توازنًا.

