في قصر الرياضات بالرباط، الذي تحول طيلة اسبوع الى قبلة لعشاق التكنولوجيا والابتكار، تستعرض المملكة المغربية رهاناتها الرقمية الجديدة، عبر تنظيم الدورة الثانية من معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية، الممتدة من 2 الى 6 يوليوز، وسط مشاركة لافتة لشركات ناشئة ومؤسسات دولية، وامام جمهور واسع من الشباب الباحث عن افق مهني جديد.
ويشكل المعرض احد اوجه السياسة العمومية الرامية الى تثبيت مكانة المغرب في الاقتصاد الرقمي القائم على الابتكار والانتاج المحلي للمحتوى.
وتحاول المملكة ان تنتقل من موقع المستهلك الى الفاعل، في وقت اصبحت فيه الألعاب الالكترونية من اكثر الصناعات ربحية وتأثيرا في العالم، حيث تجاوزت مداخيل القطاع 200 مليار دولار سنويا، وفق تقديرات وكالة أسوشيتد برس.
وحسب نفس المصدر، يبلغ حجم سوق الألعاب الالكترونية في المغرب اكثر من 500 مليون دولار سنويا، وهي ارقام تسعى المملكة الى مضاعفتها في افق 2030، من خلال الاستثمار في التكوين المهني، ودعم ريادة الاعمال، وتشجيع الشركات المحلية على تطوير ألعاب مغربية الصنع.
وقال وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، في افتتاح المعرض، ان الألعاب الالكترونية لم تعد مجرد تسلية، بل اصبحت صناعة تكنولوجية رفيعة تمزج بين الابداع والمعرفة، مضيفا ان المغرب يمتلك الطاقات والكفاءات التي تخوله ان يكون رقما صعبا في هذه المنظومة الدولية.
وابرز بنسعيد ان المغرب يراهن من خلال هذا المعرض، ومن خلال مشروع Rabat Gaming City، على توفير بيئة حاضنة للمطورين والمقاولين الشباب، مؤكدا ان الحكومة تواكب هذا التحول بدعم التكوين والتشغيل والتمويل، وبتشجيع الشراكات الدولية القائمة على نقل المهارات.
شراكات لتعزيز السيادة الرقمية
في قلب هذه الدينامية، يبرز الحضور القوي لوفد فرنسي يتكون من حوالي ثلاثين مهنيا، يمثلون استوديوهات وناشرين ومدارس عليا ومؤسسات مواكبة، وذلك في سياق تفعيل اتفاقيات التعاون التي تم توقيعها على هامش زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى المغرب في اكتوبر 2024.
وتجسدت هذه الشراكة الثنائية من خلال جناحين خاصين لكل من برنامج صانع ألعاب الفيديو (VGC) وبرنامج حاضنة ألعاب الفيديو (VGI)، اللذين يدعمان المواهب المغربية الشابة من خلال التكوين المتخصص والتأطير المهني والتواصل مع الفاعلين الدوليين.
برنامج صانع ألعاب الفيديو، الذي اطلق في يناير 2025، يقدم دورة تكوينية بشهادة تمتد لعشرة اشهر، وتهدف الى تطوير المهارات التقنية والابداعية في مجالات البرمجة، التصميم، والسينوغرافيا الرقمية. اما برنامج الحاضنة، فقد انطلق في مارس، ويواكب تسعة استوديوهات مغربية ناشئة من خلال تتبع شخصي وتمكين تقني وتوجيه تجاري.
وفي تصريحات صحفية، قالت انياس همروزيان، المديرة العامة للمعهد الفرنسي بالمغرب، ان هذا الحضور الفرنسي الكثيف يترجم التزامنا ببناء منظومة مشتركة قادرة على دعم السيادة الرقمية للمغرب، مضيفة ان المواهب المغربية الشابة تمتلك المؤهلات، ونحن هنا للمواكبة والتقاطع والتعاون طويل الامد.
واكدت ان المشروعين يندرجان ضمن مبادرة صندوق فريق فرنسا للابداع، الذي تموله وزارة اوروبا والشؤون الخارجية، ويهدف الى تشبيك الانظمة البيئية للابتكار بين المغرب وفرنسا وعدد من البلدان الافريقية.
جيل شاب يفرض حضوره
داخل اروقة المعرض، يلتقي رواد الصناعة الرقمية بمطورين شباب قدموا من مختلف المدن المغربية لعرض ألعابهم التجريبية وتقديم افكار مشاريعهم الناشئة، بحثا عن تمويل او شراكة او حتى تشجيع رمزي.
وفي الجناح الخاص بمدينة الألعاب الرقمية Rabat Gaming City، الذي دشنته الحكومة حديثا باستثمار يتجاوز 260 مليون درهم، اكد المدير العام للمشروع سليم ابرون ان البنية التحتية صممت لتستجيب لحاجيات المنتجين والمطورين، وتوفر فضاء متكاملا للتكوين، الابداع، والتوزيع التجاري، مضيفا ان الهدف هو خلق تموقع مغربي قار داخل سلاسل القيمة الدولية.
وتؤكد وزارة الشباب والثقافة والتواصل ان هذه المبادرة ليست ظرفية، بل تشكل جزءا من خطة وطنية للتحول الرقمي، يتم تنزيلها عبر برامج تأهيل الكفاءات، وتحديث المناهج الدراسية، ودعم ريادة الاعمال التقنية، وذلك انسجاما مع توجهات النموذج التنموي الجديد.
معرض الألعاب الالكترونية لم يعد فقط مناسبة للعرض والتجريب، بل تحول الى موعد مؤسساتي يرصد تحولات جيل مغربي جديد، يراهن على الشاشات لا من اجل الاستهلاك، بل من اجل الانتاج، والاعتراف، والمشاركة في كتابة ملامح الاقتصاد المقبل.