يتهيأ المغرب لدخول سنة تشريعية جديدة يُنتظر أن تشكل محطة محورية في المسار المؤسساتي الوطني، باعتبارها السنة الأخيرة من الولاية النيابية الجارية، ومقدمة لانطلاق المسلسل الانتخابي المرتبط بتجديد مجلس النواب خلال صيف سنة 2026.
ووفقا لأحكام الدستور، يترأس الملك افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الجديدة، من خلال إلقاء خطاب أمام أعضاء مجلسي البرلمان، وذلك يوم الجمعة المقبل.
ويُرتقب أن يرسم الخطاب التوجيهي معالم المرحلة المقبلة ويوجه العمل التشريعي والرقابي بما يتلاءم مع أولويات الدولة.
ويأتي هذا الدخول السياسي في سياق خاص يتسم بارتفاع منسوب الترقب بخصوص دينامية الفاعلين السياسيين، وحجم التعبئة الحزبية، وانعكاسات ما تبقى من عمر الولاية على مناخ الثقة في المؤسسات المنتخبة.
وقد أكد الملك محمد السادس، في خطاب العرش الأخير، على ضرورة إجراء الاستحقاقات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري الاعتيادي، مشددا على أهمية الإعداد القبلي للمنظومة القانونية والتنظيمية المؤطرة لهذه المحطة، واعتمادها قبل متم السنة الجارية.
وفي هذا الإطار، عقد وزير الداخلية اجتماعين مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية الوطنية خلال شهر غشت، في سياق تنزيل منهجية التشاور الموسع، والإعداد المحكم للمسلسل الانتخابي.
ويُتوقع أن تطبع السنة التشريعية الجارية دينامية سياسية متزايدة، في ضوء سعي الفرقاء السياسيين إلى بلورة تصوراتهم وخطاباتهم، حيث ستعمل الأغلبية النيابية على تثمين الحصيلة الحكومية، في حين ستراهن المعارضة على تقديم بدائل واقعية تستجيب للانتظارات المجتمعية وتتماهى مع مرتكزات النموذج التنموي الجديد.
في هذا السياق، أوضح محمد الغالي، أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أنّ التجربة السياسية الوطنية تُظهر أن السنة السابقة للاستحقاقات تشهد عادة بروز خطاب بديل يستهدف توسيع قاعدة التأييد الانتخابي.
وأضاف العالي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنّ الأولويات خلال هذه المرحلة تهم بالأساس السياسات العمومية ذات الطابع الاجتماعي، لاسيما قطاعات الصحة والتعليم والإدماج الاقتصادي للشباب، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي وتعزيز السيادة السيبرانية.
وشدد الغالي على أهمية تقوية قدرات التأطير والتوعية الرقمية، خاصة في صفوف الشباب، لمواجهة تنامي المخاطر المعلوماتية.
كما أبرز أن استدامة ورش الدولة الاجتماعية لا تتوقف فقط على توفر الغلاف المالي والتشريعي، بل تعتمد على تعبئة الموارد البشرية وتحفيزها، والارتقاء بجودة الخدمات العمومية.
وفي ما يخص الإطار السياسي العام، دعا الغالي إلى تحصين الفضاء الانتخابي، وضمان شروط التنافس الديمقراطي النزيه، وتفادي كل الانزلاقات التي قد تمس محتوى العملية السياسية.
وأكد أن الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، بل أداة لتدبير التعدد في إطار تعاقد مؤسساتي مع المواطنات والمواطنين.
ومن المنتظر أن تشهد الدورة التشريعية المقبلة إدراج مشاريع قوانين تنظيمية ذات صلة بالاستحقاقات القادمة، ومواصلة التفعيل التشريعي لمضامين النموذج التنموي، في ظل تحديات تتقاطع فيها التحولات الاقتصادية والاجتماعية والرقمية.
ويرى عدد من المتابعين أن المرحلة الراهنة تشكل اختبارا عمليا لمدى قدرة المنظومة السياسية على تجديد التعاقد السياسي، وتثبيت الخيار الديمقراطي، وتعزيز الثقة المؤسساتية، بما يمكن من تحقيق العدالة المجالية والتقائية السياسات العمومية.

