في ظرفية اقتصادية تتسم باستمرار الضغوط الاجتماعية وتفاوت فرص الإدماج المهني، سجل سوق الشغل بالمغرب خلال الفصل الأول من سنة 2025 مؤشرات مزدوجة تعكس ملامح التحسن الكمي مقابل استمرار الهشاشة البنيوية.
وبينما تشير الأرقام الرسمية إلى إحداث مئات الآلاف من مناصب الشغل، خصوصاً بالوسط الحضري، فإن بطالة الشباب وحالات الشغل الناقص والتفاوتات الجهوية ما تزال تعرقل مسار الاندماج الاقتصادي المتوازن.
ففي وقت تمكّن فيه الاقتصاد الوطني من خلق فرص عمل جديدة بوتيرة أسرع مما سجل خلال السنة الماضية، يبرز الشغل المؤدى عنه كقوة دافعة أساسية، مقابل فقدان متواصل لمناصب الشغل غير المؤدى عنه، خاصة بالوسط القروي.
كما أن تركز الشغل في قطاعات خدمية هشّة، وتراجع التغطية الاجتماعية، وارتفاع البطالة لدى النساء وحاملي الشهادات، كلها مؤشرات تستدعي قراءة تتجاوز الأرقام المجردة.
مكاسب صافية بالوسط الحضري
وأعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن الاقتصاد الوطني عرف، خلال الفصل الأول من سنة 2025، إحداث 282.000 منصب شغل، توزعت بين 285.000 منصب تم إحداثه بالوسط الحضري وفقدان 3.000 منصب بالوسط القروي، مقابل فقدان 80.000 منصب خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
وحسب نوع الشغل، تم إحداث 319.000 منصب شغل مؤدى عنه على المستوى الوطني، نتيجة لإحداث 299.000 منصب بالوسط الحضري و21.000 بالوسط القروي.
في المقابل، فقد الشغل غير المؤدى عنه 37.000 منصب، منها 13.000 منصب بالوسط الحضري و24.000 بالوسط القروي.
وبلغ عدد السكان النشيطين المشتغلين 10.619.000 شخص، ما يمثل معدل شغل قدره 37,2% وطنياً، مقابل 36,7% خلال نفس الفصل من سنة 2024.
وسجل هذا المعدل ارتفاعاً بـ0,8 نقطة بالوسط الحضري، وانتقل من 33,8% إلى 34,6%، في حين تراجع بـ0,2 نقطة بالوسط القروي من 42,5% إلى 42,3%.
القطاعات غير الفلاحية تهيمن
وباستثناء قطاع “الفلاحة والغابة والصيد”، الذي فقد 72.000 منصب شغل، ساهمت باقي القطاعات الاقتصادية في إحداث مناصب جديدة.
فقد أحدث قطاع “الخدمات” 216.000 منصب شغل، من بينها 156.000 بالوسط الحضري و60.000 بالوسط القروي، أي بارتفاع نسبته 4%.
ويعزى إحداث مناصب الشغل بهذا القطاع إلى ثلاثة فروع رئيسية: “الخدمات الاجتماعية المقدمة للمجتمع” بـ74.000 منصب، و”الأنشطة المالية، التأمين، العقار، العلمية، التقنية والخدمات الإدارية والدعم” بـ66.000 منصب، ثم فرع “التجارة” بـ48.000 منصب.
من جانبه، أحدث قطاع “الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية” 83.000 منصب شغل، 80.000 منها بالوسط الحضري و3.000 بالوسط القروي، أي بزيادة نسبتها 6%.
كما أحدث قطاع “البناء والأشغال العمومية” 52.000 منصب، منها 46.000 بالوسط الحضري و5.000 بالوسط القروي، بارتفاع نسبته 4%.
وتُظهر معطيات المندوبية أن 49,2% من النشيطين المشتغلين يشتغلون بقطاع “الخدمات”، و25% بقطاع “الفلاحة والغابة والصيد”، و13,2% بقطاع “الصناعة”، و12,5% بقطاع “البناء والأشغال العمومية”. في حين يشتغل 59,9% من سكان القرى بقطاع الفلاحة، مقابل 65,9% من سكان المدن بقطاع الخدمات.
بطالة مزمنة وشغل ناقص
وتراجع عدد العاطلين بـ15.000 شخص، منتقلاً من 1.645.000 إلى 1.630.000، نتيجة لانخفاض بـ40.000 في الوسط الحضري وارتفاع بـ25.000 في الوسط القروي. وبلغ معدل البطالة 13,3% على المستوى الوطني، بعد أن كان في حدود 13,7% سنة قبل ذلك.
وسُجّل تراجع معدل البطالة بالوسط الحضري من 17,6% إلى 16,6%، في حين ارتفع بالوسط القروي من 6,8% إلى 7,3%.
وسجل هذا المعدل انخفاضا بـ0,5 نقطة لدى الرجال (من 12% إلى 11,5%)، و0,2 نقطة لدى النساء (من 20,1% إلى 19,9%).
وتبقى البطالة مرتفعة في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، إذ ارتفعت بـ1,8 نقطة إلى 37,7%. وسُجل انخفاض في البطالة لدى الفئة العمرية 25-34 سنة بـ0,8 نقطة، لتبلغ 21,2%، ولدى الفئة 35-44 سنة بـ0,5 نقطة إلى 7,5%، ولدى من تفوق أعمارهم 45 سنة بـ0,6 نقطة إلى 3,9%.
وبلغ معدل البطالة لدى حاملي الشهادات 19,4%، بعد أن كان 20,3%. وشمل التراجع الأبرز الحاصلين على شهادات التأهيل المهني (-3,6 نقاط)، والتقنيين والأطر المتوسطة (-3,9 نقاط).
وسُجل ارتفاع في حجم الشغل الناقص من 1.069.000 إلى 1.254.000 شخص على المستوى الوطني. وارتفع معدل الشغل الناقص من 10,3% إلى 11,8%، ومن 12,5% إلى 14,8% بالوسط القروي، ومن 9% إلى 10% بالوسط الحضري.
وهمّ الشغل الناقص المرتبط بساعات العمل 664.000 شخص (6,3%)، بينما بلغ عدد المشتغلين الذين يعانون من دخل غير كاف أو عدم ملاءمة الشغل مع مؤهلاتهم 590.000 شخص (5,6%).
وسُجلت أعلى معدلات الشغل الناقص في قطاع “البناء والأشغال العمومية” (22,6%)، ثم “الفلاحة والغابة والصيد” (14,4%)، “الصناعة” (7,3%)، و”الخدمات” (9%).
فوارق جهوية مستمرة
كما تشير معطيات المندوبية إلى أن خمس جهات تضم 72% من مجموع السكان النشيطين. حيث تأتي جهة الدار البيضاء-سطات في المرتبة الأولى بنسبة 22,3%، تليها الرباط-سلا-القنيطرة (13,2%)، مراكش-آسفي (13%)، فاس-مكناس (11,9%)، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة (11,7%).
وسجلت أربع جهات معدلات نشاط تفوق المعدل الوطني (42,9%)، وهي جهة طنجة-تطوان-الحسيمة (47,1%)، وجهات الجنوب (45,6%)، جهة الدار البيضاء-سطات (45,1%)، وجهة مراكش-آسفي (43,1%). بينما سُجلت أدنى المعدلات بجهة الشرق (39,3%).
أما من حيث البطالة، فـ70% من العاطلين يتمركزون في خمس جهات، في مقدمتها الدار البيضاء-سطات (23%)، فاس-مكناس (13,2%)، الشرق (12,2%)، الرباط-سلا-القنيطرة (11,9%)، وطنجة-تطوان-الحسيمة (9,8%).
وسجلت أعلى معدلات البطالة بكل من جهة الشرق (25,2%)، وجهات الجنوب (23,8%)، في حين بلغت 11,2% بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، 8,9% بجهة مراكش-آسفي، و8% فقط بدرعة-تافيلالت.
