سجل المغرب لأول مرة في تاريخه تصنيفا ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، وفق تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي منح المملكة مؤشرا بلغ 0.710، واضعًا إياها في المرتبة 120 عالمياً من أصل 193 بلداً.
ورغم رمزية هذا التحول الرقمي في سلم التصنيفات، إلا أن خلاصات التقرير تشير إلى أن التقدم المحقق يبقى هشاً وغير موزع بشكل عادل، في ظل تفاوتات صارخة في الولوج إلى الصحة والتعليم والدخل، خاصة بين المجالين الحضري والقروي، وبين الجهات المتقدمة والمهمشة.
ويقيس مؤشر التنمية البشرية (HDI) أداء الدول استناداً إلى ثلاثة أبعاد رئيسية: متوسط العمر المتوقع عند الولادة، والتحصيل التعليمي (سنوات الدراسة الفعلية والمتوقعة)، والدخل القومي الإجمالي للفرد. وقد بلغ متوسط عمر الفرد في المغرب 74.1 سنة، في حين بلغ متوسط سنوات التمدرس 6.7 سنوات، مقابل 14.4 سنة كمعدل مرتقب.
ويعد هذا التصنيف الجديد تتويجا لمسار تحسني دام عقوداً، إذ انتقل المغرب تدريجياً من خانة التنمية “الضعيفة” في تسعينات القرن الماضي، إلى “المتوسطة”، ثم بلغ عتبة “المرتفعة” بعد تحسينات متراكمة على مستوى البنية التحتية، والمؤشرات الاجتماعية، والسياسات العمومية ذات البعد الاجتماعي.
لكن التقرير يلفت إلى أن الفوارق الهيكلية بين الفئات والمجالات لا تزال تحول دون انعكاس هذه المؤشرات على جودة الحياة اليومية، مسجلا قصورا في سياسات الإدماج الاجتماعي، وضعفاً في الحماية الاجتماعية، واستمرار اشتغال أكثر من نصف قوة العمل في الاقتصاد غير المهيكل.
وترى اوساط حكومية، ان هذا التقدم لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة إصلاحات متعددة المحاور على مدى عشرين عاماً”، مضيفاً أن “ما تحقق في المؤشرات لا يعفي من الاعتراف ببطء المردودية الملموسة على الأرض، لا سيما بالنسبة للفئات الهشة والشباب العاطل”.
ويأتي هذا التطور في وقت تخوض فيه المملكة واحدة من أوسع عمليات التحول الاجتماعي عبر مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، الذي يُرتقب أن يستكمل في أفق 2025، إلى جانب تسريع برامج محاربة الهدر المدرسي، وتقليص الفوارق الترابية في الصحة والتعليم.
من جهتها، اعتبرت فعاليات حقوقية ومدنية أن “النجاح في تحسين المؤشرات الكمية يجب أن يُواكب بمقاربات نوعية تضمن الإنصاف المجالي والاجتماعي”، محذّرة من مغبة الاقتصار على الأرقام في غياب إصلاح بنيوي يطال الحكامة، والعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة.
ورغم تصنيفه الجديد، يظل المغرب دون المتوسط العالمي لمؤشر التنمية البشرية (0.739)، ويُصنّف في مرتبة أدنى من دول مثل تونس (0.740) أو الجزائر (0.745)، ما يكشف عن الهوامش المتبقية لتعزيز أدائه في السنوات المقبلة، خصوصاً في مجالي الإنفاق الاجتماعي وجودة التعليم.
ويُعوّل على هذا التقرير الأممي ليشكل وثيقة مرجعية جديدة لصناع القرار في الرباط، خاصة في سياق الإعداد للإستراتيجيات التنموية لما بعد 2030، واستحقاقات تنظيم كأس العالم، التي تضع على المحك قدرة الدولة على تحقيق الإقلاع الاجتماعي المتوازن، لا الاكتفاء بمؤشرات مضبوطة تقنياً.
وفي انتظار مخرجات السياسات الجاري تنفيذها، يُجمع المتتبعون على أن بلوغ مؤشر 0.710 يشكل منعطفاً، لكنه لا يُغني عن مساءلة النموذج التنموي الحالي ومدى نجاعة برامجه في تقليص الفجوات المتعددة، وتأمين الرفاه الفعلي للمواطنين، وليس فقط نظيره الإحصائي.