وطن 24 – معاذ السباعي
تواصل المنظومة الأمنية المغربية اشتغالها وفق الهيكلة المعتمدة، دون أن تطرأ تغييرات على مواقع المسؤولية أو إيقاع التدبير المؤسسي، في وقت تُغرق فيه منصات خارجية الفضاء الرقمي بمحتويات مشككة، تفتقر إلى المعطيات الدقيقة أو السند الموثوق.
ورغم تنوّع الصياغات التي تُقدَّم بها هذه المواد، إلا أنها تتقاطع في اعتمادها على مفردات إيحائية وتلميحات غير موثقة، دون تقديم تواريخ أو تسلسل وقائعي واضح، ما يجعلها أقرب إلى سردية متخيلة منها إلى مادة قابلة للتحقق المهني أو الإدماج في دورة الأخبار الجادة.
وفي ظل غياب مؤشرات تنظيمية داخل الأجهزة الأمنية توحي بتغير في نمط العمل، سواء من حيث الهيكلة الإدارية أو التنسيق الميداني، تبدو فرضية الاستمرارية المؤسسية مرجحة، ضمن مسار استراتيجي لا يتأثر بالمضامين العشوائية المتداولة في بيئات رقمية معزولة عن الوقائع.
منصات موازية دون ضوابط تحريرية
وتندرج غالبية التدوينات والمقاطع التي تُتداول في هذا السياق، ضمن موجة أوسع من المحتويات المصطنعة، التي تُنشر على منصات لا تخضع لأي ضوابط تحريرية، وتستند أحيانا إلى وسائط مفبركة بالذكاء الاصطناعي، أو مقاطع منتزعة من سياقها الزمني والمؤسساتي.
وتُسجَّل في الفترة الأخيرة حالة من التصعيد اللفظي، تتجاوز المؤسسة الأمنية إلى استهداف مؤسسات سيادية أخرى، دون سند وقائعي أو قانوني.
ويأتي ذلك بالتزامن مع ما يعتبره مراقبون موسميا متكررا من محاولات التشويش الخارجي، خاصة خلال فترات تأهب ميداني أو نجاحات دبلوماسية وحقوقية يحققها المغرب.
ورغم أن التعامل الرسمي مع هذا النوع من “الضجيج الرقمي” يتم في الغالب بصمت مؤسسي، إلا أن المراقبة السيادية تتواصل عبر قنوات التنسيق المعهودة، داخليا وخارجيا، مع استمرار العمل وفق المقتضيات الاستراتيجية الجارية، سواء على مستوى مكافحة الإرهاب، أو تأمين الفضاء العام، أو حماية المعطيات الوطنية ذات الحساسية الخاصة.
الأمن يشتغل بثقة ملكية
وفي هذا السياق، يؤكد محمد أكضيض، الخبير في الشؤون الأمنية وأستاذ سابق بالمعهد الملكي للشرطة، أن “مؤسسة الأمن تحظى أولا بالثقة المولوية، وثانيا لو راجعنا كرونولوجيا منجزات هذه المؤسسة على الصعيد الخارجي منذ ولاية السيد المدير العام للأمن الوطني والاستخبارات كمؤسستين أمنيتين في جسم واحد، سنجد في الخلاصات زخما وتدافعا لهذه المؤسسة التي مثلت إشعاعًا في محيط الجوار ومجال الشراكة الدولية”.
ويضيف اكضيض في تصريحات لصحيفة وطن 24 الإلكترونية: “نقف بفخر عند زيارات العمل لأقوى المؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي حظيت بشراكات مع مؤسسة الأمن المغربي بشقيها: المديرية العامة والاستخبارات. الدليل قاطع لا يمكن الاختلاف عليه: مدير FBI، مدير CIA، وغيرها من لقاءات العمل مع كبريات مؤسسات الأمن. وكما في علمكم، في مستهل الأسبوع السابق، تمت زيارة عمل لرئيسة الاستخبارات الفرنسية ولقائها مع السيد المدير العام للأمن الوطني والاستخبارات، سي عبد اللطيف الحموشي”.
ويتابع قائلا: “منذ ولاية سي الحموشي وجمعه بين إدارة المؤسستين الأمنيتين، هناك إنجازات ومساهمات لمؤسسة الأمن في وضعية الاستثمارات وازدهارها بالمغرب، منها الأرقام السياحية التي يزخر بها المغرب في ظل فرص الأمن الممتازة. بدليل صيف هذه السنة، تجد كل المناطق السياحية فيها تدفقًا هائلًا للمصطافين وكأنك في يوم الحشر. نموذج جهة تطوان، المضيق، مارتيل، الفنيدق، حيث جاهزية ولاية أمن تطوان والاستخبارات على واجهتين: احتفال عيد العرش وحفلة الولاء بالخصوص، وما تتطلبه من مجهودات هائلة، ثم العمل على تأمين كل الوافدين على الجهة من مغاربة وزوار، منها الجالية المغربية الوطنية”.
ويُبرز أكضيض أن “محاولات التشويش السلبية لم ترتفع وتيرتها إلا في بضع سنوات قليلة وخاصة هذه السنة، منها اتهام السيد المدير العام للأمن الوطني والاستخبارات ببرنامج بيغاسوس، بعد أن ثبت أن الاتهام فاشل، بل تم توشيحه بوسام رفيع من الدولة الفرنسية. ثم خرجت جريدة لوموند الفرنسية، كما هو معلوم، لتهاجم بالشر المؤسسة الملكية، ثم عددًا من مؤسسات الدولة، ثم موقع جبروت، ثم النظام الشمولي الجزائري علانية بإعلامه الرسمي، وما خفي أعظم ممن يشتغل لصالح هذا النظام”.
ويسترسل: “انطلقت، بصفة موازية، تحركات ممن صنفوا أنفسهم معارضة. غير أن الأمر يتعلق بمحاولة يائسة لابتزاز المملكة المغربية التي قطعت عليهم الطريق، في ظل الموقف الصلب للتقاطع مع مثل هذه الصور من الباحثين على الكعكة، والذين فقدوا البوصلة مع عدم وجود راحة بال ولا بيولوجية في استقرارهم خارج الوطن، بعد أن اعتقدوا أن الغرب سيوفر لهم كل الحياة حتى الرفاه”.
ويضيف أن “ليس مؤسسة الأمن وحدها تتعرض لمحاولة التشويش، بل كل المؤسسات، كما سبق الذكر، حتى المؤسسة الملكية. لكن فيما يخص مؤسسة الأمن بشقها الاستخباراتي، فمحاولات هؤلاء كانت تستهدف نزع الثقة من هذه المؤسسة لسبب بسيط، لأن عهد تدبير سي الحموشي لرجال حماية الأمن القومي لم يترك لأي كان أن يعبث به أو يضع موقعًا أو فتحة، ولو بصيص أمل، للمرور إلى السلطة دون المرور عبر مؤسسات المملكة”.
ويختم تصريحه قائلا: “ما يُنشر ضد المملكة عبارة عن تراهات لا تجد وقعها إلا في آذان فئة قليلة. والدليل هو ما شهدناه أثناء تدشين ملعب الأمير مولاي عبد الله من طرف سمو الأمير مولاي الحسن، ولقائه مع السواعد المغربية التي قدمت لنا هذه الجوهرة التحفة من منشأة رياضية، ما يُبين أن المملكة المغربية لا تبالي – كما قلت – بالتراهات. وعلى أي، سي الحموشي المدير العام للأمن الوطني والاستخبارات، رجل ثقة صاحب الجلالة أولًا، ورجل دولة بامتياز في خدمة الوطن، وكل محاولات النيل منه لا تجدي، لأن الأمر يتعلق بنتائج إشعاع هذه المؤسسة ومساهماتها الرائدة في هذه الإنجازات الرائدة”.
حضور دولي متصاعد للمنظومة المغربية
وختم أكضيض تصريحه بالتذكير بأن “مؤسسة الأمن اليوم تم انتخابها، في شخص مدير الشرطة القضائية، مدير قسم الإنتربول بالمغرب، كنائب لرئيس الإنتربول – الشرطة الدولية، ممثلًا عن القارة الإفريقية”، معتبرا أن ذلك يعكس حجم الثقة الدولية في المنظومة الأمنية المغربية، ومكانتها داخل شبكات التعاون متعددة الأطراف.
وفي مقابل هذا الحضور المؤسساتي الميداني، تُواصل بعض الأطراف الرهان على مسارات موازية، لا تنطلق من الوقائع ولا تتقيد بالمسؤولية المهنية، في محاولة لإعادة تدوير محتويات تفتقر للمنهجية ولا تصمد أمام الحد الأدنى من المعايير الصحفية أو القانونية.

