مارغا داندوران (Marga d’andurain) اسم شهير لسيدة فرنسية خلقت جدلا كبيرا في حياتها وحتى بعد انتهاء حياتها قتيلة بشاطئ طنجة.
جدل كان ولا زال حول حقيقة هذه السيدة التي ارتبط اسمها بأعمال الجاسوسية، والجرائم الغامضة، أكثر من أي شي آخر.
سيدة عاشت لفترة في المغرب ثم الجزائر ثم انتقلت إلى المشرق العربي حيث بدأت هناك سيرتها الغامضة المغلفة بالشبهات والجرائم انتهاء بالشكوك في ضلوعها في اعمال الجاسوسية لدى السلطات الاستعمارية البريطانية.
ورغم أن أحداثا كثيرة في حياتها جرت في مناطق عربية كثيرة، إلا أنه لا يوجد لحد الآن أي مؤلف عربي يثير حياة هذه الشخصية، وكل ما نعرفه أن المؤرخ المغربي رشيد العفاقي وحده من يعمل على اخراج هذه الشخصية إلى الوجود بصيغة عربية، إذ أن كل ما ندرجه هنا مستاق فقط من مصادر أجنبية.
مولد مارغا وطفولتها
ولدت مارغا داندوران في 29 ماي من سنة 1893 بمدينة بيون (Bayonne) الفرنسية باقليم الباسك القريب من الحدود الاسبانية، واسمها الحقيقي مارغيريت كليغيس (Marguerite Clérisse ) واشتهرت باسم مرغا تصغيرا لاسمها مارغيريت ولقبت بلقب أندوران باعتبارها من سلالة عريقة تحمل هذا الاسم.
وعاشت طفولة مترفة إلى أن التقت في سن 17 سنة بأحد أبناء عمومتها يدعى “بيير دندوران” ووقعا في حب بعضهما البعض فقررا الزواج سنة 1909، ثم قاما بعد ذلك بشهر عسل طويل باسبانيا، ثم المغرب، وبعد ذلك الجزائر حيث ولد هناك بتلمسان ابنهما الاول “جان بيير” في 4 دجنبر من سنة 1911، قبل أن تدفعهما أزمة مالية إلى العودة إلى فرنسا حيث ولد هناك ابنهما الثاني “جاك” في 26 نونبر من سنة 1916.
التوجه إلى مصر وبداية الغموض
في سنة 1925 قررت مرغا التوجه إلى مصر هي وزوجها وابنيها للعيش هناك، وفتحت معهدا للتجميل في القاهرة كانت تلتقي فيه مجموعة من النساء الاوروبيات، فاندمجت بسرعة في هذا المجتمع الجديد خاصة برفقة الشخصيات البريطانية الراقية.
وكان من بين الشخصيات البريطانية التي التقت بهم مارغا في مصر، الرائد في الجيش البريطاني “سينكلير” الذي قامت برفقته والسيدة الانجليزية “ميد” في سنة 1927 برحلة إلى أطلال مدينة تدمر بسوريا التي وقعت في حبها خلال هذه الرحلة فقررت بعد ذلك التوجه إليها للاستقرار.
في مصر كانت أول حادثة في سيرة مارغا التي تعد لحد الآن غامضة، حيث جرى بعد سنوات من رحيلها على مصر اقدام الرائد في الجيش البريطاني “سنكلير” على الانتحار بسبب ما قيل حينها اقدام مارغا بسرقة ملفات سرية من مكتبه.
في تدمر.. خائنة، وفي جدة.. قاتلة
اعجبت مارغا بمنطقة تدمر اعجابا شديدا، وعملت هناك برفقة زوجها كمسؤولين عن فندق اسمه فندق “الملكة زنوبيا”، لكن بعد سنوات طفت المشاكل بينها وبين زوجها، خاصة بعد اكتشافه لخيانتها له مع عشيق انجليزي يعمل في الجيش البريطاني، وهو الأمر الذي غذى الشكوك حول سيرتها في امكانية عملها كجاسوسة لبريطانيا ضد مصالح فرنسا بالمنطقة.
وفي سنة 1933 كانت قد تطلقت من زوجها وتزوجت بأحد العرب يدعى الشيخ سليمان وقيل أنها دخلت في الاسلام، وقررت أن تقوم بزيارة الاراضي المقدسة، فتوجهت برفقته من تدمر إلى السعودية، لكن محاولتها لتكون أول أوروبية تدخل مكة لم تكلل بالنجاح.
لا زال الغموض يلف هذه القضية أيضا، إذ أن بعد وصول مارغا والشيخ سليمان إلى جدة مات الشيخ سليمان، وقيل أن مارغا كانت هي من قامت بتسميمه وقتله نتيجة خلافات نشبت بينهما بسبب محاولته لوضعها مع الحريم وهو ما كانت ترفضه وكانت تطوق إلى الحرية.
وفي 21 أبريل من سنة 1933 اتهمت بقتل زوجها الثاني أي الشيخ سليمان وتم اعتقالها ووضعت في السجن بجدة الذي قضت به 63 يوما فقط، ثم أُطلق سراحها بتدخل من القنصل الفرنسي لدى عائلة آل سعود الحاكمة، فعادت إلى تدمر.
مقتل بيير والعودة إلى فرنسا
بعد افلاتها من المقصلة بجدة، عادت إلى تدمر سنة 1933 وتزوجت من جديد من زوجها السابق “بيير”، لكن بعد شهور قليلة، وبالضبط في شهر دجنبر من السنة نفسها، قُتل زوجها وأحد العاملين بفندق الملكة زونبيا حيث عثرا عليهما مقتولتين بطعنات بالسكين، وكان بجسد زوجها 19 طعنة، ولم يعرف سبب القتل ومن فعل ذلك.
بعد مقتل زوجها بيير الغامض، تركت مارغا بصفة نهائية المشرق وعادت إلى فرنسا، وعملت في بيع المقتنيات الغالية الثمن، كما امتهنت ايضا بيع اللوحات الفنية بطريقة غيرقانونية، وكانت حينها الحرب العالمية الثانية قد شرعت في اطلاق نيرانها.
الشكوك أيضا تغلف حياة هذه السيدة خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها كلها تسير إلى كونها كانت تعمل جاسوسة لدول الحلفاء خاصة بريطانيا، حتى أنها وضعت على رأس قائمة المطلوبين لدى المخابرات الألمانية “الجاستبو” وهو ما دفع بها إلى الفرار إلى الجزائر العاصمة سنة 1943 حيث ظلت مختفية عن الانظار.
لكنها عادت بعد ذلك إلى فرنسا سنة 1945 واتهمت هذه المرة بقتل ابن عمها “ريموند كليغيس” فتم اعتقالها في مدينة نيس الفرنسية، بيد أن اعتقالها لم يدم إلا أياما ثم اطلق سراحها والصحافة الفرنسية تطرح اسئلة كثيرة حول تورطها في هذه الجريمة.
طنجة.. النهاية الغامضة
بعد انتهاء الحرب العالمية عاشت مارغا فترة مهمة في طنجة، ثم انتقلت للعيش في اسبانيا قبل أن تقرر في الاخير العيش في جبل طارق المستعمرة البريطانية، وكانت تعيش حياة مترفة، كما ذكر مؤلفون لسيرتها، أنها كانت تعمل في التهريب بين طنجة الدولية واسبانيا وجبل طارق.
وقد املتكت زورقا ترفيهيا اسمه “دجيلان”، وفي 5 نونبر سنة 1948 اختفت مارغا إلى الابد، بعدما عثر على زورقها بشاطئ طنجة الذي كانت على متنه برفقة صديقين هما “هانز أبيلي” و “هيلين كلوز” وقد اتهما بقتلهما.
أثناء محاكمتهما امام القضاء في طنجة اعترف “هانز أبيلي” أن مارغا ماتت وقد غرقت جثتها بشاطئ طنجة، ورغم أنه أصر على أن مقتلها كانت نتيجة لضربة لم يقصد فيها انهاء حياتها إلا أن القاضي حكم عليه بـ 20 سنة سجنا، فيما تم الحكم على “هيلين كلوز” بسنة واحدة سجنا فقط.
وقد قامت السلطات الدولية بطنجة ببحث طويل بحثا على جثة مارغا في طنجة إلا أن جميع محاولتها باءت بالفشل، وانتهت مارغا بشكل غامض دون أن يتم العثور على جثتها، رحلت وخلفت من ورائها العديد من الاسئلة حول حقيقتها، وحقيقة تورطها في الجرائم التي حدثت في محيطها وأعمال الجاسوسية التي اشتبهت فيها، لكن يبدو أن قدرها كتب لها أن تحمل جميع اسرارها معها في عمق شاطئ طنجة، إلى الابد.
Marga d’andurain – مارغا داندوران – الجاسوسة مارغا داندوران – العميلة مارغا داندوران – الجواسيس في طنجة – جاسوسة في طنجة – المخابرات طنجة