بعد سنوات من الاعتماد على استراتيجية أمنية استباقية داخل حدوده، تشير تقارير إعلامية إلى أن المغرب قد يكون بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في حربه ضد الإرهاب، عبر تنفيذ ضربات جوية تستهدف الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، وذلك من خلال إنشاء قاعدة جوية في أقصى جنوب الصحراء.
وذكرت صحيفة لاراثون الإسبانية، استناداً إلى مصادر مطلعة، أن الرباط، بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا، تدرس إقامة مطار عسكري جديد، سيكون بمثابة منصة لانطلاق عمليات جوية ضد الجماعات المتطرفة الناشطة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، باستخدام طائرات مسيّرة ومقاتلات حربية.
وتضيف الصحيفة أن هذه العمليات ستتم بالتنسيق مع سلطات الدول المعنية، بهدف “تحييد التهديد الإرهابي” الذي يشكّل خطراً متزايداً ليس فقط على المغرب، ولكن أيضاً على استقرار منطقة شمال إفريقيا وجنوب أوروبا.
وبحسب لاراثون، فإن هذا التوجه يعكس إدراك المغرب لحجم التهديد القادم من الساحل، وهي منطقة تُعدّ اليوم واحدة من أكثر بؤر الإرهاب نشاطاً في العالم، حيث تنشط فيها تنظيمات مثل “داعش في الصحراء الكبرى” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، اللتين زاد نفوذهما بشكل ملحوظ في ظل الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب الفرنسي من مالي وضعف الحكومات المركزية في عدة دول بالمنطقة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، نجح المغرب في بناء منظومة أمنية فعالة، مكّنته من إحباط العديد من المخططات الإرهابية داخل أراضيه، كما عزز شراكاته الأمنية مع عدد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا.
إلا أن تزايد أنشطة الجماعات المتطرفة في الساحل جعل المملكة في مواجهة مباشرة مع خطر تمدد الإرهاب جنوباً، ما قد يكون دافعاً أساسياً وراء التفكير في توسيع نطاق عملياتها العسكرية.
وتشير الصحيفة الإسبانية إلى أن المغرب يعتبر في نظر التنظيمات الإرهابية “عقبة رئيسية” أمام تمددها نحو شمال إفريقيا وأوروبا، حيث يلعب دوراً محورياً في التصدي للمتطرفين العابرين للحدود، سواء من خلال ضبط أمنه الداخلي أو التعاون الاستخباراتي مع الشركاء الدوليين.
ويعزز هذا التوجه أيضاً ما كشفته الأجهزة الأمنية المغربية مؤخراً، عقب تفكيك خلية إرهابية تابعة لتنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” كانت تخطط لتنفيذ عمليات داخل البلاد.
وقد أسفرت العملية، التي نُفذت في تسع مدن، عن اعتقال 12 شخصاً وضبط ترسانة من الأسلحة والمتفجرات في مركز لوجستي بمدينة الراشيدية، القريبة من الحدود مع الجزائر.
وتؤكد هذه التطورات، وفق الصحيفة، أن التهديد الإرهابي أصبح أكثر تعقيداً، حيث لم تعد الجماعات المتطرفة تكتفي بالنشاط في مناطقها التقليدية، بل أصبحت تخطط لضرب أهداف استراتيجية في المغرب.
تعاون أمني موسع مع القوى العالمية
وبحسب التقرير، فإن التحرك المغربي المحتمل في منطقة الساحل يأتي أيضاً في سياق تعاون وثيق مع القوى الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تتشاركان مع الرباط مصالح استراتيجية في محاربة الإرهاب بالمنطقة.
ولا تزال فرنسا، التي سحبت قواتها من مالي في 2022 بعد توتر العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم هناك، تبحث عن شركاء إقليميين يمكنهم سد الفراغ الأمني الذي تركه خروجها.
والمغرب، الذي يتمتع بخبرة طويلة في مكافحة الإرهاب، قد يكون في وضع يسمح له بلعب دور أكثر فعالية في استقرار الساحل، من خلال دعم عملياته العسكرية المحتملة بقدرات استخباراتية متقدمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع دول المنطقة التي تعاني من تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية.
أما الولايات المتحدة، فقد عززت تعاونها الأمني مع المغرب خلال السنوات الأخيرة، حيث تُعتبر المملكة شريكاً رئيسياً في الحرب على الإرهاب في شمال إفريقيا، وتستضيف بانتظام مناورات “الأسد الإفريقي”، وهي أكبر تدريبات عسكرية في القارة، بمشاركة قوات أمريكية وأوروبية وإفريقية. وقد يشكل الدعم الأمريكي عاملاً حاسماً في تنفيذ استراتيجية المغرب الجديدة لمكافحة الإرهاب خارج حدوده.
الساحل.. “أفغانستان جديدة”؟
وتحذر تقارير أمنية غربية من أن منطقة الساحل قد تتحول إلى “أفغانستان جديدة”، حيث يوفر تدهور الأوضاع السياسية وضعف المؤسسات الحكومية بيئة خصبة لازدهار الجماعات الإرهابية.
ويرى خبراء أمنيون، نقلت لاراثون آراءهم، أن التنظيمات الإرهابية في الساحل لم تعد تقتصر على تنفيذ عمليات إرهابية محلية، بل تسعى إلى تحويل المنطقة إلى قاعدة انطلاق لعمليات أوسع نطاقاً، تمتد نحو شمال إفريقيا وحتى أوروبا. وبالنسبة للمغرب، الذي يُعتبر آخر حاجز أمام وصول هذه الجماعات إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط، فإن التحرك عسكرياً ضد هذه التنظيمات قد يكون خطوة ضرورية لحماية أمنه القومي، ومنع تصدير الإرهاب إلى مناطقه الحدودية.
ويؤكد محللون أن الوقت لم يعد في صالح المجتمع الدولي، مشيرين إلى أن “عدم التحرك بسرعة قد يجعل من الساحل بؤرة عالمية للإرهاب، على غرار ما حدث في أفغانستان خلال فترة صعود طالبان والقاعدة”.
ما الذي يعنيه هذا التحول؟
إذا تأكدت هذه المعلومات، فسيكون المغرب قد دخل مرحلة جديدة في استراتيجيته الأمنية، منتقلاً من الدفاع إلى الهجوم، في مواجهة التهديدات القادمة من الساحل.
وإذا كان النهج السابق للمملكة يعتمد على إحباط المخططات الإرهابية داخل أراضيها، فإن التوجه الجديد، وفق ما تشير إليه لاراثون، قد يعني استهداف الجماعات المسلحة في معاقلها، قبل أن تتمكن من تهديد الأمن الداخلي للمغرب أو لجيرانه في شمال إفريقيا وأوروبا.
وفي ظل استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، وتصاعد المخاوف من امتداد نفوذ الجماعات المتطرفة، تبقى الأنظار موجهة إلى الخطوات القادمة التي قد تتخذها الرباط، وما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستحظى بدعم دولي واسع، أم ستثير ردود فعل معارضة من بعض الأطراف الإقليمية.