بافتتاح مركز اجتماعي يُعنى بالصحة الجنسية والإنجابية، تكون مدينة الفنيدق قد خطت خطوة جديدة نحو تعزيز العدالة الصحية في منطقة حدودية تواجه تحديات متشابكة، حيث يتداخل الضغط الديمغرافي مع إشكاليات الهجرة غير النظامية والتفاوت الاجتماعي.
فبينما لا تزال المدينة تعيش تداعيات التحولات الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المعبر الحدودي لسبتة سنة 2019، أدى ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى تفاقم الطلب على الخدمات الصحية والاجتماعية، ما جعل توفير بنية استشفائية موجهة لهذه الفئات ضرورة ملحة.
ويأتي المركز الجديد، الذي أقيم بشراكة بين الهلال الأحمر المغربي والجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، استجابة لحاجة متزايدة في المنطقة لسد الفراغ القائم في مجال الرعاية الصحية الإنجابية والجنسية، خاصة لفائدة النساء في وضعية هشاشة والمهاجرين غير النظاميين، الذين غالبًا ما يجدون أنفسهم خارج منظومة التغطية الصحية، بسبب وضعهم القانوني غير المستقر أو ضعف إمكانياتهم المادية.
“هذا المركز هو ثمرة شراكة بين الهلال الأحمر المغربي والجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، والتي تم توقيعها في فبراير من السنة الماضية بمدينة طنجة”، يقول محمد العربي المرابط، رئيس المكتب الإقليمي للهلال الأحمر المغربي بعمالة المضيق-الفنيدق، مضيفًا أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو “توسيع وتعزيز نطاق الولوج إلى الخدمات الصحية لفائدة الفئات الهشة بعمالة المضيق-الفنيدق، إلى جانب انفتاحه على الوافدين على العمالة، خاصة المهاجرين غير النظاميين”.
وينسجم هذا الإجراء مع المقاربة المغربية في مجال الهجرة واللجوء، والتي اعتمدت منذ سنة 2013 سياسة جديدة قائمة على إدماج المهاجرين في المجتمع المغربي عبر منحهم حقوقًا اجتماعية واقتصادية، بما في ذلك الحق في الصحة والتعليم والسكن.
فمنذ إطلاق المغرب لعمليات تسوية أوضاع آلاف المهاجرين غير النظاميين، باتت المملكة معنية أكثر بتطوير بنيات استقبال قادرة على مواكبة هذا التحول، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة للمهاجرين، مثل طنجة، الناظور، والجهة الشمالية عمومًا.
وعلى هذا الأساس، يشكل المركز الجديد في الفنيدق جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز البنيات الصحية في المناطق التي تستقبل أعدادًا متزايدة من المهاجرين، بحيث لا يقتصر دوره على تقديم الفحوصات والعلاجات الطبية، بل يشمل أيضًا خدمات التوعية بالصحة الجنسية والإنجابية، خاصة في أوساط المهاجرين الشباب والنساء، الذين يعانون من هشاشة صحية مضاعفة بسبب ظروف التنقل الصعبة والافتقار إلى الموارد اللازمة للعلاج.
ومن شأن افتتاح هذا المركز، الإسهام في تحسين مؤشرات الصحة الإنجابية والحد من انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا عبر توفير الفحوصات الطبية المتخصصة، والتوعية بأهمية الصحة الجنسية، وتقديم الرعاية للأمهات والرضع، إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي.
كما يعكس المشروع تحولًا في طريقة تدبير القضايا الاجتماعية والصحية في المغرب، حيث لم تعد المقاربة الأمنية وحدها كافية لمواجهة تحديات الهجرة، بل بات مطلوبًا إدماج سياسات صحية واجتماعية أكثر شمولًا، تضمن الحقوق الأساسية للمهاجرين، وتخفف الضغط عن البنيات الصحية العمومية التي تواجه طلبًا متزايدًا.
وفي ظل التحولات المستمرة التي تعرفها الفنيدق، يبدو أن المركز الجديد لن يكون مجرد مرفق صحي إضافي، بل قد يمثل خطوة نحو إعادة صياغة سياسات الرعاية الاجتماعية في المدينة، على نحو يأخذ بعين الاعتبار التحديات المتشابكة التي تواجه سكان المدينة وضواحيها والمهاجرين على حد سواء، في منطقة لا تزال تعيش على إيقاع الأزمات الاقتصادية والهجرة غير النظامية، ما يجعل مثل هذه المبادرات ضرورية لضمان تماسك اجتماعي واستقرار صحي مستدام.