تحتل نبتة النعناع مكانة مهمة في البيئة التقليدية المغربية وتشكل عنصرا أساسيا في مشروب الشاي وبعض المأكولات.
والنعناع أو “ليقامت” بالأمازيغية، هي عبارة عن نبتة عشبية تنتمي إلى فصيلة “الشفوية” (Lamiaceae) التي تشمل أيضا نباتات مثل الخزامى والزعتر الإبري والزعتر النابلسي والريحان وغيرها.
ويشمل جنس النعناع عدة أنواع بالمغرب، من أشهرها نعناع تزنيت المعروف بـ”تاجغاويت” (النوع الممتاز)، والذي لا يمكن للزائر أن يمر من المدينة دون أن يقتنيه خاصة في فصل الصيف، فهو منعش يروي عطش الظمآن، ومنشط يبعث الحيوية في جسد من أرهقته شدة الحر.
ويعتبر النعناع الذي يضاف إلى الشاي “المشحر” من المشروبات الأصلية التي تحرص العائلات التزنيتية على تزيين موائدها به، فهو يعكس حسن الضيافة والكرم، حيث كانت الساكنة المحلية قبل ذلك، تحرص على زراعته في البساتين داخل المدينة العتيقة وخارجها وكذا في نواحيها، بدون مواد كيماوية مضافة.
وليست الساكنة المحلية فحسب، بل إن العائلات المغربية تحرص أيضا على اقتناء نعناع تزنيت في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات أو لاستعماله كدواء بديل مفيد، فهو يساعد على تسكين الألم، وتهدئة الأعصاب، أو علاج الزكام والالتهابات الكلوية، وكذا تطهير الأمعاء.
على الطريق الوطنية قرب المدارة الكبيرة لتزنيت، لا تخطئ عين المار منها أو زائر المدينة، عربات مصطفة تعرض النعناع جنبا إلى جنب، حيث تفوح رائحة أوراقه العطرة إلى الأنفاس على بعد مسافة، تتسلل دون إذن إلى أنفاس الزبائن الذين ينتظرون دورهم لاقتناء “ربطة” منه.
وعن سر هذا الإقبال، قال رئيس جمعية منتجي وبائعي النعناع بتزنيت، حسن الطويل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن النعناع المحلي مشهور على المستوى الوطني والدولي لجودته واستعمالاته الطبية وكذا مذاقه الذي يميزه عن باقي المدن الأخرى التي يزرع فيها.
وأضاف السيد الطويل بأن من بين العوامل التي تجعل منه كذلك، هناك التربة الخصبة في المجالات التي يرزع فيها خاصة في مناطق أتبان، وأولاد جرار، وأيت براييم، ودوتركا فضلا على المياه النقية التي تستعمل في السقي، موضحا أن الأمر يتيح له القدرة على تحمل الظروف المناخية إذ يمكن أن يبقى ملفوفا لثلاثة أيام متواصلة في الحالات العادية أما في حالة التصبير (التجفيف)، فيمكن أن تصل المدة إلى خمس سنوات، دون أن يفقد نكهته أو فوائده.
من جانبه، قال الإطار بالمديرية الإقليمية للفلاحة بتزنيت حسن الخالدي في تصريح مماثل، بأن الوزارة الوصية قامت بخلق سلسلة مشاريع لدعم إنتاج النعناع بالإقليم من خلال غرس 125 هكتارا منه في مجموعات محيطات إنتاجية لـ25 هكتار لكل محيط، مجهز بالطاقة الشمسية والبئر ونظام السقي بالتنقيط.
وعن أهداف القطاع الوصي، أفاد أن الهدف الذي تتم مراعاته بالأساس، هو حماية صحة المستهلك، وذلك باستبعاد المبيدات الكيماوية المستعملة في إنتاج النعناع وإيجاد بدائل أخرى يدوية في القضاء على مجموعة من الأمراض والحشرات والحشائش الزائدة التي تصيب هذه النبتة، إلى جانب تحسين الإنتاج وخلق فرص الاستمرار ودعم الاستقرار المهني للمنتجين.
وعن طريقة زرع النعناع، يورد سعيد، وهو فلاح بالمنطقة، أن العملية تبدأ أولا بحرث الأرض، وتقليبها وتنقيتها من الأحجار والأعشاب الدخيلة ثم تهيئتها وتقسيمها على شكل مربعات (أ وزون)، وتلي هذه المرحلة عملية وضع السماد الطبيعي من روث الأبقار والماشية دون غيره ليتم بعد ذلك زرع جذور نبتة النعناع وانتظارها طيلة 45 إلى 60 يوما حتى تنمو، حيث يتم سقيها بانتظام كل يومين حسب درجة حرارة الطقس.
وعن نعناع تزنيت الذي طبقت شهرته الآفاق، يقول حميد، أحد المسافرين: “دأبت على اقتناء كمية منه كلما مررت من المدينة في طريقي إلى الأقاليم الصحراوية بالجنوب المغربي، كما أني أحمل منه كمية أخرى لمعارفي وأصدقائي فهو ذو جودة وأفضل مما يعرض في مدن أخرى ورائحته عطرة”.
يشار إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم تزنيت وفرت لبائعي النعناع عربات تجارية تم إنجازها في إطار تأهيل تجارة القرب بالمدينة وكذا تأهيل ومواكبة الباعة الجائلين لإدماجهم في النسيج السوسيو-اقتصادي، كما تم تخصيص فضاء داخل “سوق الباشا” بالمدينة العتيقة قصد تسويق النعناع المحلي.