يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يستسغ التحولات المتسارعة في الموقف الدولي إزاء قضية الصحراء المغربية، فخرج عبر صحيفة “لوبينيون” الفرنسية ليهاجم دعم باريس لمبادرة الحكم الذاتي، واصفًا ذلك بـ”الخطأ الفادح”، ومهددًا بخسارة فرنسا كحليف.
غير أن هذا التصعيد لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة للضغط على باريس، في وقت تتهاوى فيه أوراق الجزائر الدبلوماسية واحدة تلو الأخرى، بينما يواصل المغرب ترسيخ موقعه كشريك استراتيجي موثوق على الساحة الدولية.
فمنذ أن أضحت مبادرة الحكم الذاتي تحظى بزخم غير مسبوق، مع انضمام قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا إلى داعميها، بدا واضحًا أن الجزائر فقدت القدرة على التأثير في مجريات الملف، ولم يعد أمامها سوى التلويح بتهديدات جوفاء لا تغير شيئًا في موازين القوى.
فرنسا التي طالما سعت إلى انتهاج سياسة متوازنة في المنطقة، حسمت موقفها بشكل أكثر وضوحًا لصالح المغرب، كما جسدته زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط في أكتوبر 2024، والتي اكتست طابع “زيارة دولة”، ما يعكس المكانة التي يحظى بها المغرب في الاستراتيجية الفرنسية.
ولم تكن هذه الزيارة بروتوكولية عابرة، بل توجت بتوقيع اتفاقيات شراكة بقيمة تتجاوز 10 مليارات دولار، تشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والصناعات المتقدمة، ما يثبت أن باريس تراهن على المغرب كشريك استراتيجي طويل الأمد، بينما تتقلص مساحة المناورة أمام الجزائر، التي لم يعد خطابها التقليدي يجد من يصغي إليه.
وتكشف تحذيرات تبون من أن باريس “ستخسر الجزائر كحليف” حجم الارتباك الذي تعيشه الدبلوماسية الجزائرية، إذ أن فرنسا لم تعتبر الجزائر يومًا حليفًا موثوقًا بقدر ما كانت مضطرة للتعامل معها وفق منطق المصالح الظرفية.
فالعلاقات بين البلدين ظلت مشوبة بالتوترات وعدم الاستقرار، على عكس العلاقة مع المغرب التي تقوم على أسس متينة من التعاون الاستراتيجي والثقة المتبادلة.
والواقع أن الجزائر، التي تجد نفسها اليوم محاصرة بأزماتها الداخلية، لم تعد تملك ما تقدمه لشركائها الدوليين، لا اقتصاديًا ولا سياسيًا، وهو ما يفسر تراجع الاهتمام بها لصالح المغرب، الذي يواصل حصد الاعترافات بمغربية صحرائه، معتمدًا على نهج براغماتي قائم على بناء التحالفات وتعزيز موقعه كقوة اقتصادية واستراتيجية صاعدة في المنطقة.
وبينما تكتفي الجزائر بتكرار خطابها المتجاوز، يواصل المغرب رسم معالم مستقبل المنطقة وفق رؤية واضحة، ما يجعل تصريحات تبون لا تعدو كونها صدى متأخرًا لحالة وهن دبلوماسي لم يعد ممكنًا إخفاؤها.