وجّه تدخل القصر في نزاعات الطريقة القادرية البودشيشية رسائل متعددة، أبرزها أن الدور الملكي لا يُختزل في بعد سياسي، بل يندرج ضمن وظيفة مؤسسية وروحية ضامنة لاستقرار الحقل الديني في المغرب.
فالطريقة البودشيشية، التي تُعدّ من أبرز المدارس الصوفية بالمملكة، لطالما شكلت ركيزة للتوازن الروحي والاجتماعي، وجذبت آلاف المريدين داخل البلاد وخارجها. غير أن الخلافات حول مسألة الخلافة بين الشيوخ هددت، في محطات عدة، وحدة هذا الصرح الروحي، ما استدعى تدخل أمير المؤمنين باعتباره المرجعية العليا.
ويُنظر إلى هذه التدخلات الملكية باعتبارها أفعال إنقاذ أكثر منها وصاية. فقد اعترف شيوخ بارزون في الطريقة، من سيدي حمزة إلى سيدي جمال، بشرعية التحكيم الملكي، واعتبروه ضمانة لحماية الطريقة من الانقسامات. وفي وصيته المؤرخة في 5 دجنبر 2024، دعا الشيخ جمال أتباعه إلى “الالتزام برباط البيعة مع أمير المؤمنين”، مبرزًا أن طاعة السلطان “ركن أساسي في السير إلى الله”.
تكشف التجربة التاريخية للطريقة أن القصر لم يتخلف عن مرافقة مسارها. من دعم المبادرات الروحية إلى مواكبة فترات مرض الشيوخ، خاصة مع لالة طاوس، ظل حضور الدولة عامل استقرار، بعيدًا عن أي محاولة للتوظيف السياسي.
ويعتبر خبراء في الشأن الديني أن هذه الآلية تتجاوز التدخل الظرفي، لتكرس تقليدًا مؤسسياً قوامه التحكيم الروحي. فالملك، باعتباره أمير المؤمنين، يجمع بين شرعية دينية وسياسية تتيح له الحسم في الخلافات، بما يضمن التماسك الاجتماعي ويحافظ على استمرارية السلسلة الروحية.
وبهذا المعنى، لا ينظر إلى تدخل القصر كفرض لوصاية، بل كتحكيم يقطع الطريق أمام محاولات التسييس، ويعيد تثبيت المرجعية المركزية التي تقوم عليها خصوصية النموذج المغربي في تدبير الحقل الديني.

