في احد ازقة المدينة العتيقة لمراكش، يتأمل سائح اوروبي واجهة منزل تقليدي جرى ترميمه بعناية. خلف الباب، تتجاور عناصر المعمار المغربي مع لمسات تصميمية اوروبية، في مظهر بات مألوفًا في عدد من المدن العتيقة المغربية، حيث تزايد حضور الملاك الاجانب خلال السنوات الماضية.
منذ اواخر التسعينات، بدأت موجة اقتناء العقارات التقليدية من طرف اجانب، خصوصا في مراكش، قبل ان تمتد الى فاس والصويرة وشفشاون، وتصل خلال الاعوام الاخيرة الى المدينة العتيقة بطنجة. ما بدأ بمبادرات فردية سرعان ما تحول الى مسار مؤطر بشبكات من السماسرة والوكلاء والخدمات القانونية المتخصصة.
وغالبا ما تُحوّل هذه الوحدات الى دور ضيافة او مساكن موسمية لا تُشغل الا لبضعة اسابيع سنويا. وهو ما يُفرغ عددا من الازقة من وتيرتها السكنية اليومية، ويُضعف النسيج الاجتماعي داخل احياء كانت نابضة بالحياة.
وبالتوازي، اضطرت اسر مغربية الى مغادرة هذه الاحياء بفعل ارتفاع الاسعار، وتزايد الطلب الخارجي، وغياب آليات مصاحبة تحفظ التوازن السوسيو-عمراني.
في مراكش وحدها، يُقدّر عدد بيوت الضيافة داخل المدينة العتيقة باكثر من 1400 وحدة مرخصة رسميا، في حين تتجاوز التقديرات غير الرسمية 1800 رياضا، معظمها تم تحويله من بنايات سكنية كانت في الاصل مأهولة بعائلات مغربية.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور احمد الطلحي، خبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، ان الظاهرة “يجوز ان تكون ايجابية كما قد تكون سلبية”. موضحا في تصريحات لصحيفة وطن 24 الإلكترونية، ان “ما يظهر انه ايجابي، هو حيازة هذه البنايات الاثرية، بما يُسهم في انقاذها من الاهمال والتدهور، الذي تعاني منه نسبة كبيرة من البنايات داخل مدننا العتيقة، بسبب ضعف امكانيات مالكيها الاصليين”.
لكن في المقابل، يُحذر من “قيام الملاك الجدد من الاجانب بتغيير هوية هذه البنايات، سواء على مستوى المعالم المعمارية اثناء الاصلاح، او على مستوى التوظيف والاستعمال الجديد”.
ويؤكد الدكتور الطلحي ان “بعض هذه الوحدات تحولت الى مطاعم او حانات، رغم انها كانت في السابق مسرحا لاحداث تاريخية او اماكن اقامة لشخصيات بارزة”.
ويستعيد المتحدث بعض الوقائع التي عايشها خلال فترة اشتغاله في مراكش، حيث “كان بعض السكان الجدد الاجانب يشتكون من صوت الاذان، بل ان بعضهم طالب باغلاق مسجد، او باحداث باب خاص للزقاق الذي يقطنونه”.
ويخلص الى ضرورة “الحذر واليقظة من قبل جميع المعنيين، سواء على مستوى منح التراخيص ومراقبة الاستغلال، او على مستوى الامن والحفاظ على الاداب العامة”.
وفي غياب سياسة عمومية تُؤطر هذه الدينامية المتسارعة، تبقى المدن العتيقة عرضة لتحول تدريجي لا يُعلن نفسه. المباني تُرمم، والواجهات تتغير، لكن التوازن الهش بين الذاكرة والاستعمال قد لا يصمد طويلا امام منطق السوق.

