شكلت الزيارة التي قام بها فخامة السيد بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، الأربعاء 21 فبراير 2024 إلى المغرب، فرصة للتأكيد على استمرارية الدينامية التي أطلقها خلال زيارته السابقة للرباط في أبريل 2022. وهذه الدينامية التي بعثت حيوية جديدة في العلاقات الثنائية، تعززت بفضل الزيارات الأخيرة التي قام بها ثلة من أعضاء الحكومة الإسبانية، مما يؤكد بالتالي على متانة الشراكة الاستراتيجية الطويلة المدى بين البلدين والتي تتجاوز مختلف الأوضاع الطارئة.
وتستند العلاقات الممتازة بين المغرب وإسبانيا على ركائز الاحترام المتبادل والثقة المشتركة والتشاور المنتظم حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك في مكوناتها السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والإقليمية والدولية. وتدل هذه العلاقات على تقارب المصالح الوطنية بين المملكتين والوضوح المشترك في مواجهة القضايا والتحديات المتبادلة.
وبروح التعاون الصريح والوفي، واحترام الالتزامات المتبادلة التي تم اعتمادها خلال الإعلان المشترك الصادر في 7 أبريل 2022، مكنت هذه المرحلة النوعية الجديدة في العلاقات الثنائية من الانتقال من الأزمات الدورية إلى التفاهم الاستراتيجي، وبالتالي التأشير على قواعد تحالف قوي ودائم.
كما تعكس العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا انسجاما قويا، حيث أقام البلدين علاقة متينة ومتبادلة، تتجاوز أي خلاف وتمضي قدما نحو آفاق مشتركة. ولا أدل على ذلك الموقف الإسباني البناء بشأن قضية الصحراء الذي يعكس أهمية مزدوجة، لكونه يبرز من جهة الدينامية الدولية الساعية إلى حل نهائي ودائم لهذا المشكل المفتعل، ولكونه ينبثق من جهة أخرى من قبل جهة فاعلة قريبة من الموضوع وواعية بحساسياته.
ويعرب المغرب وإسبانيا عن إرادة سياسية مشتركة ويحققان تقدما إيجابيا في العديد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك، حيث ينعكس الالتزام المتبادل بتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي في المبادرات المشتركة في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، فضلا عن الجهود المنسقة في إدارة تدفقات الهجرة.
وفي هذا الشأن، وصف رئيس الحكومة الإسبانية، الأربعاء، سياسة المغرب في مجال الهجرة بأنها “إيجابية للغاية”، معربا عن “ارتياح بلاده التام” للتعاون مع المغرب في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، ومؤكدا عزم بلاده على المضي قدما في تعزيز هذا التعاون. كما أبرز بالمناسبة أن تدبير تدفقات الهجرة يعتبر مجالا يستأثر بأهمية كبرى في التعاون بين المملكتين، واصفا نتائج العمل المشترك في مجال سياسة الهجرة ب”الممتازة”، ومستحضرا، في هذا الصدد، بعض البرامج الرائدة التي تم تفعيلها بشكل مشترك في هذا المجال، لا سيما البرنامج الرامي إلى النهوض بالهجرة النظامية، الذي شدد على طبيعته “الرائدة” على المستوى الأوروبي.
أما من الجانب الاقتصادي، فستعزز هذه الزيارة الشراكة التجارية بين البلدين، بما يضع إسبانيا في مرتبة الشريك التجاري الأول للمغرب، بحجم مبادلات عرف نموا سنويا قدر ب7%. وهو النمو الذي يسلط الضوء على الدور البارز للمملكة المغربية باعتبارها الوجهة الرئيسية الاستثمارات الإسبانية المباشرة الموجهة نحو القارة الإفريقية.
وفي هذا السياق، ستتعزز حتما مكانة إسبانيا في أفريقيا، بالنظر إلى الاهتمام الكبير الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس للقضايا الإقليمية، ولا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تمثل مجالات رئيسية في العلاقة بين المملكتين، ولا سيما من خلال المشاريع الكبرى مثل خط الغاز بين المغرب ونيجيريا ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
هذا وشكلت هذه الزيارة أيضا فرصة للتأكيد على الأهمية الاستراتيجية التي يكتسيها الفضاء المتوسطي بالنسبة للمغرب وإسبانيا، بصفته نقطة التقاء بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وتنبني هذه النظرة المشتركة على تعزيز الشراكة في مجال الأمن البحري وحماية البيئة ومواجهة التغير المناخي، وكذا تعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية لمواجهة التحديات المشتركة واستغلال فرص التنمية، بما يجعل من المغرب وإسبانيا تحالفا جيو-استراتيجيا جديدا بمنطقة غرب المتوسط، وما يضمن الازدهار والأمن بضفتي البحر الأبيض المتوسط. وتعد في هذا السياق الشراكة بين المغرب وإسبانيا غير مسبوقة بين شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتسلط الضوء على التفاهم الاستراتيجي والتنسيق العملياتي بين ضفتي المتوسط.
كما مثلت هذه الزيارة فرصة للتأكيد على ما سيشكله التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 بين المغرب وإسبانيا – مع البرتغال – من فرص استثنائية لتوطيد العلاقة بين البلدين وصياغة نموذج يحتذى به على الصعيد الدولي في التنسيق والتعاون والانسجام بين ثقافتين وقارتين، عبر مجموعة من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.