رضا الوالدين والنية والأسرة والعمل الإنساني، إنها القوة الروحانية والإنسانية التي طبعت سلوك المنتخب المغربي، قبل وخلال مونديال قطر لكرة القدم، وكانت نبراسا تنير طريقه.
جالت مجموعة من صور لاعبي المنتخب المغربي وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم أبرز الشاشات العالمية، بعد كل مباراة من المباريات التي يخوضها المنتخب في قطر ضمن منافسات كأس العالم.
صحيح أن الاتحاد المغربي للكرة كان له يد في جلب عائلات اللاعبين لقطر، لكن تصريحات مدرب المنتخب وليد الركراكي، تبرز الجانب الإنساني الذي يتميز به معظم اللاعبين، خصوصا أنه يردد دائما “ديرو النية”(اعملوا بالنية).
النية ورضا الوالدين
أصبحت مقولة المدرب وليد الركراكي، “النية ورضاة (رضا) الوالدين” تميمة المنتخب المغربي خلال مساره بمونديال قطر.
وخاطب الركراكي في إحدى خرجاته الإعلامية، الجمهور المغربي قائلا: “إلى درتو النية، الكرة ضرب في البوطو وترجع (إذا عملتم بالنية، الكرة ستضرب العارضة وتذهب خارج مرمى المنتخب المغربي)”.
وتحدث الركراكي في كثير من الحوارات الصحفية عن رضا والديه، كسبب مباشر في كل الإنجازات التي يحققها، معتبرا أن “رضا الوالدين وراء كل نجاح”.
وقال: “كلشي من رضاة الوالدين، تهلاو في وليديكم (اهتموا بالوالدين)، وديرو النية والله مغاديش يخيبكم (والله لن يخيبكم)”.
والتقطت الكاميرات عقب مباراة المنتخب المغربي ونظيره الإسباني بملعب “المدينة التعليمية”، تقبيل وليد الركراكي لرأس أمه، عقب الانتصار التاريخي لمنتخبه، في ثمن نهائي المونديال.
لم تكن هذه حال وليد الركراكي فقط، بل التقطت الكاميرات وبعد نهاية كل مقابلة اتجاه اللاعبين صوب عائلاتهم للاحتفال وتقبيل رؤوس الأمهات.
وحرص أشرف حكيمي، مدافع نادي “باري سان جيرمان” الفرنسي، على عناق أمه والدموع تنهمر من عينيه عقب مباراة المنتخب المغربي أما نظيره البلجيكي، كما قدم لها قميصه، وشارك عبر صفحته الخاصة بمنصة “إنستغرام”، صورة علق عليها “أحبك أمي”.
وهو ما قام به لاعب المنتخب الآخر سفيان بوفال، الذي ذهب لعناق والدته وقدم لها قميصه، عقب المباراة ضد المنتخب الكندي بمدرجات ملعب “الثمامة”.
إنشاء ملاعب
لم تكن العلاقة مع الوالدين هي الصفة الإنسانية الوحيدة للاعبي المنتخب المغربي، فقد حرص أشرف حكيمي، على تمويل تهيئة وتجهيز ملعب لكرة القدم بحي في مدينة الدار البيضاء، على نفقته، وفق تقارير إعلامية مغربية.
وجاء ذلك عقب تواصل أبناء حي “لمكانسة” بالمدينة مع طاقم عمل اللاعب الدولي، من أجل اقتراح تمويل تهيئة وتجهيز ملعب لكرة القدم بالحي.
من جانبه، مول زكرياء أبوخلال، مهاجم المنتخب ونادي “تولوز” الفرنسي، إنشاء ملعب لأطفال قرية “دار بوعزة” في ضواحي بالدار البيضاء.
وحضر أبو خلال، وفق مقاطع فيديو أوردها الإعلام المحلي، تدشين الملعب الذي موّل إنشائه، بعدما حل بالمغرب من أجل المشاركة في معسكر المنتخب الوطني المغربي.
تمثيل المغرب
عشية المباراة التي جمعت “أسود الأطلس” بـ”لاروخا”، وصفت صحيفة “لافانغورديا” الإسبانية المنتخب المغربي بفريق الأمم المتحدة، في إشارة إلى لاعبي المغرب المولودين بالخارج، وهو ما أغضب الجمهور المغربي.
ويبلغ تعداد مغاربة العالم حوالي 5 ملايين نسمة، بحسب الإحصاءات الرسمية، ويضم المنتخب المغربي 14 لاعباً من أصل 26 ولدوا خارج أراضي المملكة.
اثنان منهم وُلدا في إسبانيا، وأربعة في هولندا، وثلاثة في فرنسا، وثلاثة آخرون في بلجيكا، وواحد في إيطاليا وآخر في كندا.
ووصف وليد الركراكي التزام هؤلاء باللعب للمغرب بكونهم “مستعدون للموت من أجل الفريق والخطة”، رغم الفرص التي قدمت لهم لحمل قميص بلد المهجر.
وفي حوار سابق مع صحيفة “ليكيب” الفرنسية، قال أشرف حكيمي حول اختياره اللعب للمغرب: “ثقافتي مغربية، في البيت نتحدث العربية، نأكل الطعام المغربي، أنا مسلم (..) شاهدت المباريات في المغرب مع والدي، الذي أخبرني الكثير عن اللاعبين الرائعين في البلد”.
زميله حكيم زياش، صانع ألعاب نادي “تشيلسي” الإنجليزي، علق على الأمر بالقول، إن “اللعب مع المنتخب المغربي هو خيار اخترته لأنه اختيار القلب”.
وكشف اللاعب الدولي المغربي السابق، مصطفى حجي في تصريحات إعلامية سابقة، بعد خلاف زياش مع مدرب المغرب السابق وحيد خليلوزيتش، أن “زياش يحب المغرب كثيرا”.
وتابع حجي أن “زياش كان يرفض أن تسدد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تكاليف سفره من وإلى المغرب عند استدعائه، وكان يدفع تكاليف تنقله من ماله الخاص، معبرا في كل مرة عن رغبته الكبيرة في اللعب للمنتخب الوطني”.
وأفاد بأن “زياش كان يدفع ما يتقضاه من الاتحاد المغربي إلى العاملين والمرافقين والطباخين في المنتخب”.
الجانب الإنساني
قوة المنتخب المغربي تتمثل في الطبيعة الإنسانية التي ظهرت لدى لاعبيه، وبرزت في مونديال قطر.
ورفع اللاعبون علم فلسطين، وقميص يحمل اسم عبد الحق نوري، اللاعب المغربي السابق في نادي “أجاكس أمستردام” الهولندي، المصاب منذ 2017 بشلل دماغي يعجز عن الحركة بسببه، وذلك نتيجة إصابته في أحد المباريات مع ناديه.
والسبت، سيواجه المنتخب المغربي نظيره البرتغالي في ربع نهائي كأس العالم 2022، وذلك في أول إنجاز عربي من نوعه، بعد الفوز على إسبانيا في دور الثمن.
وسبق للمغرب أن شارك في 5 نسخ ماضية من المونديال، كان أفضل إنجاز له الوصول إلى دور الـ 16 في مونديال 1986 بالمكسيك.