في صباح أول أيام شهر رمضان، تبدو طنجة هادئة ومفعمة بالحياة في نفس الوقت. تتناثر بقع الضوء الفاتح في الشوارع الرئيسية وتتمايل الأوراق الخضراء النضرة بلطف منسجمة الرياح اللطيفة.
يغلب الهدوء على المدينة في هذا الوقت من الصباح.. السكان يتمتعون بالراحة والاسترخاء؛ الطرق الرئيسية تبدو فارغة تقريبًا إلا من بعض العابرين المتجهين لقضاء أغراضهم، بينما تكون الأزقة الجانبية مليئة بالأصوات الخافتة للأذان والمصلين.
يتغير الإيقاع من الهدوء إلى الحركة بُعيدَ صلاة العصر.. تصل إلى الأذان أصداء القراءة الجماعية للورد اليومي (الحزب)؛ الأجواء قمة في الروحانية داخل المساجد؛ كبارا وقد اعتادوا هاته الأجواء؛ وصغارا يجبذهم هذا التناص المازج بين الصيام والقيام وقراءة القرآن.
الأسواق تنتعش بدورها؛ تجذب الزوار والمتسوقات والمتسوقين وحتى هواة التلصص عن قرب أو بعد. وما يُعرض في هذه الفترة يتحول إلى مُبتغى للناظرين؛ يقال إن العين تستطيب الشيء قبل وصوله إلى الفم؛ وهو كذلك قولا وفعلا وتسويقا عند العارفين بأحوال السوق والتسوق.
آخرون لا تشغلهم المأكولات أكانت مملحات أو مسكرات (من السُكَّر)؛ لهم برنامجهم اليومي؛ يمارسون الرياضة في الغابة أو قرب الشاطئ؛ أو المشي؛ أو حتى الصيد لمن استطاع إلى ذلك صبرا.
طنجة في رمضان؛ عالمية المبنى ودولية المعنى؛ لأن ما يُعاش فيها لا يمكن أن يجده المرء في أي مكان آخر من العالم؛ وهذا سر تميزها وتفردها.. إنه ذلك الإحساس الداخلي الذي ينتابك وأنت تعبر السوق الداخل؛ وأنت تقتني ما تيسر من أشياء من النسوة “الجبليات” المكافحات في سبيل عيش أنيق؛ ببساطتهن وعفويتهن يصنعن الفرح ويسهمن في خلق لحظة مميزة.
من شرفات ونوافذ المنازل؛ تفوح روائح الحريرة المغربية؛ الفطور الطنجاوي لا تستقيم أوتاده إلا بسيدة المائدة المسائية (الحريرة). هاته التي تقاوم منذ سنين كل محاولات العولمة “المُحرحرة”؛ ومهما حاولت التكنولوجيا أن تحدث فيها تغييرا فإنها بحق لن تجد إلى ذلك سبيلا.. الأمهات المغربيات لا يتنازلن أبدا كلما تعلق الأمر بالعادات والتقاليد؛ فمكونات الحريرة ستظل هي نفسها؛ ومقادير “السفوف” لن يزاحمها “الشكلاط” أو “الكيتشوب”.. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد.
يقترب موعد أذان المغرب؛ يهم الصائمون بالتوجه إلى منازلهم فيما يشبه الالتزام بتوثيق اللحظة جماعيا؛ فيما تسارع ربات البيوت لتكون المائدة جاهزة في الوقت المحدد .. يُسمع صوت المدفع؛ فأذان المغرب الذي لا صوت يعلو بعده خارج المنازل، وبذلك يكون أول يوم في رمضان قد مر في أجواء جميلة منقطعة النظير.