تستقطب مدينة طنجة المزيد من الاستثمارات الاقتصادية عاماً بعد آخر، مما يؤدي إلى زيادة عدد العاملين في وحداتها الإنتاجية. هؤلاء العمال والموظفون، الذين يشكلون الدينامو المحرك لعجلة التنمية الاقتصادية، يساهمون بشكل كبير في تحفيز النمو الاقتصادي، إلا أن أوضاعهم المعيشية والاجتماعية تظل بعيدة عن الأضواء.
تضم المنطقة الحرة في طنجة وحدها حوالي 47 ألف عاملة وعامل، غالبيتهم يتقاضون تعويضاً شهرياً محدداً بموجب نظام الحد الأدنى للأجور. يعمل هؤلاء الموظفون في مختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية، مثل صناعة السيارات والطيران والنسيج والكابلات، وهي قطاعات تحقق إيرادات ضخمة، لكن نصيب اليد العاملة منها يبقى ضئيلاً ولا يكاد يفي بأبسط متطلبات الحياة اليومية، حيث لا تتجاوز قيمة الأجر الشهري للحد الأدنى للأجور المعمول به 3120 درهم.
في ظل التحديات المعيشية المطبوعة بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات الأساسية، تشير معطيات دراسة أجراها الاتحاد المغربي للشغل إلى أن مبلغ الحد الأدنى للأجور لم يعد يكفي أسرة مكونة من زوجين وطفل لأكثر من خمسة أيام. في ظل هذا الوضع، يبدي أغلب عمال وعاملات الوحدات الإنتاجية في طنجة نظرة سوداوية حول مدى قدرتهم المستقبلية على تحسين أوضاعهم المعيشية أو تحقيق مكاسب اجتماعية مثل الحق في السكن أو الحصول على خدمات صحية لائقة.
تجد هذه النظرة التشاؤمية صدها في أوساط شريحة واسعة من العمال، الذين يظل أقصى طموحهم محصوراً في القدرة على تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية. تقول كنزة بلعربي، وهي مستخدمة في إحدى شركات إنتاج كابلات السيارات بالمنطقة الحرة لطنجة: “أعمل طوال الأيام لأكمل الشهر بـ”السطرطير”. العمل اليومي عبارة عن روتين ممل، نلج الوحدة الإنتاجية وكأنها آلة تدمير لذواتنا؛ فلا أفق يُذكر ولا شيء آخر.”
وتوضح كنزة، التي قضت 7 سنوات في هذه الوحدة الإنتاجية: “أشتغل في وضعية الوقوف لـ8 ساعات وأحياناً 10. نخضع لنظام التناوب بين الأفواج، وهو نظام مرهق للغاية، خاصة بالنسبة للمرأة.”
أما ياسين الورديغي، الذي يعمل في شركة متخصصة في إنتاج أجزاء الطائرات، فيقول: “اقتادتني ظروف الحياة للاشتغال في هذه الشركة، ظروف العمل ليست سيئة وليست جيدة بالشكل المتعارف عليه، لكنها تظل فرصة إنقاذ من واقع البطالة. أحصل على أجرتي الشهرية مع بعض العلاوات، إلا أن ذلك لا ينعكس على ظروف معيشي اليومية.”
بدورها، تتحدث أمينة. ح، مجازة في القانون الخاص وأم لثلاثة أطفال، عن الصعوبات التي تواجهها وهي تعمل في وحدة متخصصة في النسيج: “الحياة أصبحت صعبة، الأسعار ملتهبة، واليد الواحدة لا تصفق. أملنا أن تبادر الحكومة إلى زيادة قيمة الحد الأدنى للأجور، لأن الطبقة العاملة تعاني الأمرين وبالكاد تسعفها الأوضاع لتلبية حاجياتها.”