د. هشام بوقشوش
يعتبر الاحتفال بعاشوراء في المغرب ظاهرة اجتماعية ثقافية غنية بالرموز والدلالات، تعكس تركيبة المجتمع المغربي وتعدديته الثقافية والدينية.
وعلى الرغم من أن هذا الاحتفال يكتسي طابعا دينيا من حيث الأصل، إلا أنه في السياق المغربي يتحول إلى مناسبة اجتماعية جماعية تؤدي فيها الطقوس وظائف اجتماعية ورمزية متعددة.
يحيي المسلمون يوم عاشوراء في العاشر من محرم، ويربط هذا اليوم في المخيال الديني المغربي بمجموعة من المعاني؛ منها ذكرى نجاة موسى عليه السلام من فرعون، وأيضا استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه. لكن في المغرب، يتداخل البعد الديني مع الطقوس الشعبية، ليخلق منظومة احتفالية لها طابع خاص لا يشبه ما في باقي بلدان العالم الإسلامي.
من أبرز ما يميز عاشوراء في المغرب هو طقس “زمزم”، الذي يتمثل في رش الماء على بعضهم البعض في الشوارع والساحات العامة، خاصة بين الأطفال، تعبيرا عن الفرح، والتطهر، والتجدد. يرتبط هذا الطقس بأسطورة “زمزم المغربية”، كرمز للخصوبة والبركة، وهو ما يعكس تداخل الطقوسي بالأسطوري. من منظور الأنثروبولوجيا الرمزية (Clifford Geertz)، فإن طقوس عاشوراء تعد سرديات رمزية تعبر عن نظام المعاني داخل الثقافة الشعبية المغربية.
توقد النيران في الأحياء الشعبية خلال ليلة عاشوراء فيما يعرف بـ”الشعالة”. يجتمع حولها الأطفال والمراهقون، وهم يقفزون فوقها مرددين أهازيج وأغاني شعبية موروثة. تحمل الشعالة دلالة على التطهر من الشرور، وتجدد الحياة، وإحياء الهوية الجمعية المحلية.
في السنوات الأخيرة، باتت مظاهر عاشوراء ترتبط باستخدام “المفرقعات” بشكل متزايد، وتحولت إلى طقس عنيف يربك الأمن العام. كما يرتدي البعض أقنعة مخيفة في تقليد يشبه “الهالوين”، مما يدل على تحولات رمزية وتداخل ثقافات تفرغ عاشوراء من رموزها الأصلية وتدخلها في حقل الاستعراض والمخيلة الاستهلاكية. وهنا يمكن توظيف تحليل بيير بورديو لفهم كيفية تحويل الطقس إلى وسيلة لترميز الفروقات الطبقية والتموقع داخل الحقل الاجتماعي.
تقوم الأسر بشراء الألعاب للأطفال في عاشوراء، خاصة “الطبيلة”، و”الكنبوش”، و”السيف الخشبي”، وهو ما يعد لحظة تعيد إنتاج الفروقات الطبقية، إذ تختلف نوعية الألعاب حسب القدرة الاقتصادية، مما يجعل الطقس يعيد ترميز المكانة الاجتماعية داخل الحي.
في بعض المناطق، تمارس النساء طقوسا خاصة في عاشوراء، أبرزها وضع الحناء، وتبادل الهدايا أو “العيديات”، بل ويعتقد أن المرأة التي لا تخضب يديها بالحناء في عاشوراء قد تصاب بسوء الطالع. كما تمثل عاشوراء فرصة للنساء لإعادة إنتاج التضامن النسائي، وتنشيط شبكة العلاقات الأسرية والاجتماعية. يمكن ربط عاشوراء من منظور إميل دوركهايم بالطقوس الجماعية التي تعزز التضامن الاجتماعي وتعيد إنتاج التماسك الرمزي للمجتمع.
مع التمدن والتحول القيمي، بدأت طقوس عاشوراء تفقد تدريجيا كثيرا من رمزياتها، من خلال اندثار الأهازيج التقليدية في بعض المدن الكبرى، مقابل سيطرة الأشكال التجارية الحديثة. مع تراجع طقس الشعالة لأسباب أمنية وبيئية.تحولت معها عاشوراء من لحظة احتفالية جمعية إلى مناسبة استهلاكية تروّج فيها السلع والألعاب.
إن سوسيولوجيا عاشوراء بالمجتمع المغربي تكشف عن قدرة المجتمع على إعادة إنتاج الطقس الديني ضمن فضاء دنيوي ثقافي محلي. فالاحتفال ليس فقط تذكيرا بتاريخ ديني، بل هو مناسبة تعيد عبرها الجماعة التفاوض على الرموز والهويات والقيم. ومع ذلك، فإن الاحتفال بعاشوراء يواجه تحديات الاندثار والتفكك الرمزي بفعل التحديث، مما يستوجب النظر إليه كمرآة للتحولات الاجتماعية في المغرب المعاصر.
باحث في علم الاجتماع
