رحل عن عالمنا يوم أمس الأحد الإعلامي القدير عبد الصادق بن عيسى، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع دامت 42 عامًا في مجال الإعلام. بن عيسى، الذي بدأ مسيرته في إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية “ميدي 1″، استطاع أن يترك بصمة لا تُمحى في قلوب مستمعيه من طنجة إلى القاهرة وعواصم أخرى.
ولد عبد الصادق بن عيسى في مدينة طنجة طنجة، حيث نشأ وترعرع في كنف عائلة محبة للعلم والثقافة. منذ صغره، كان يعشق الراديو ويقلد المذيعين، ما دفعه لاحقًا لدراسة الإعلام وتطوير مهاراته الصوتية واللغوية. انضم إلى “ميدي 1” في الثمانينات، ليبدأ رحلة مهنية طويلة ومليئة بالإنجازات.
على مدار 42 عامًا، قدّم بن عيسى نشرات الأخبار بصدق ومهنية، ملتزمًا بأعلى معايير الحيادية والدقة. لم يكن صوته مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كان جسرًا يربط بين المستمعين والأحداث، ويجعلهم يشعرون وكأنهم يعيشون التفاصيل.
لم يقتصر عطاء بن عيسى على تقديم الأخبار فقط، بل تدرج في المناصب حتى شغل منصب رئيس تحرير مركزي. في هذا الدور، أسهم بشكل كبير في تطوير المحتوى الإذاعي وأشرف على إطلاق عدد من البرامج الإذاعية السردية التي حققت نجاحًا كبيرًا بين المستمعين، منها “لحظات من التاريخ”، “ملفات بوليسية”، “هاربون”، و”وجوه من الظل”. هذه البرامج لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت مصدرًا للمعرفة والإلهام، حيث نقلت قصصًا مؤثرة وأحداثًا مهمة من زوايا جديدة ومبتكرة.
قصة تأثيره على الناس تتجلى في الحكايات اليومية التي كان يرويها المستمعون. ففي أحد الأيام، جلس شخص في سيارة أجرة صغيرة عند منتصف النهار، وبدأت الأخبار بصوت بن عيسى. علقت إحدى الراكبات قائلة: “كم هو جميل صوت هذا الشاب”، ليرد الشخص مبتسمًا: “إنه عبد الصادق بن عيسى، الإعلامي الذي يعرفه الجميع”.
كان عبد الصادق بن عيسى يؤمن بأن الإذاعة ليست مجرد أداة لنقل الأخبار، بل هي وسيلة لتثقيف وتوعية المجتمع. حرص دائمًا على تقديم الأخبار بلغة عربية سليمة، مضيفًا لمسة من الإلقاء الرصين والجميل الذي أسر قلوب المستمعين. بفضل التزامه وشغفه، رفض العديد من العروض الكبيرة التي تلقاها من مؤسسات إعلامية مرموقة، مفضلًا البقاء مخلصًا لـ”ميدي 1″ ورسالتها.
برحيله، يفقد الأثير المغربي صوتًا إعلاميًا مميزًا، ورمزًا من رموز الحياد والمهنية. عبد الصادق بن عيسى سيظل في ذاكرة مستمعيه، الذين كانوا ينتظرون إطلالته الرنانة مع كل موعد إخباري. تحية حب ووفاء لهذا الإعلامي الكبير، الذي جعل من الميكروفون صديقًا ومن المستمعين عائلة، وستبقى ذكراه وصوته حاضرين في قلوبنا إلى الأبد.