رفض السفير الجزائري السابق لدى باريس تنفيذ اوامر استدعائه الى الجزائر، وقرر البقاء في فرنسا حيث تقدم بطلب لجوء سياسي، في تصرف وصفته دوائر فرنسية بغير المسبوق ويعبر عن هشاشة غير معلنة داخل اجهزة النظام الجزائري.
المعطيات الاولية التي اوردتها مصادر إعلامية فرنسية، تفيد بان السفير دخل في حالة رفض داخلي منذ ابلاغه بقرار انهاء مهامه، قبل ان يوجه مراسلة خاصة الى السلطات الفرنسية يطلب من خلالها منحه الحماية، مستندا الى ما وصفه بخلافات عميقة مع نظام بلاده، دون ان يقدم ادلة موثقة على تعرضه لاي تهديد مباشر.
وتعاملت وزارة الداخلية الفرنسية مع الطلب ببرود، ورفضته بناء على ان صاحبه لا تنطبق عليه شروط اللجوء، باعتباره جزءا من الية رسمية لدولة لا تصنف ضمن الانظمة المنهارة او المحاصرة دوليا.
ورغم ذلك، لا يزال المعني بالامر مقيما داخل التراب الفرنسي بدون وضعية قانونية واضحة، بعد فقدانه الصفة الدبلوماسية.
وحتى مساء السبت، لم تعلق السلطات الجزائرية على الموضوع، في استمرار لصمتها المألوف تجاه فضائح مماثلة، وهو ما فهم في باريس كدليل اضافي على الارباك الذي خلفته الخطوة في صفوف النظام.
وقد ظل السفير، الذي كان محسوبا على اجنحة نافذة داخل السلطة الجزائرية، طيلة فترة مهامه يتبنى خطابا هجوميا تجاه فرنسا، ويردد تصريحات رسمية تطعن في التاريخ الفرنسي وتتّهم باريس بمحاولات التغلغل الاستعماري الجديد، قبل ان يقرر في نهاية المطاف التوسل الى فرنسا ذاتها للبقاء تحت حمايتها.
وقد ربطت ذات المصادر، هذا التحول بمحاولة السفير النأي بنفسه عن صراعات داخلية داخل وزارة الخارجية الجزائرية، التي تشهد صدامات خفية بين ولاءات مختلفة، وهو امر بات يتكرر في عدد من التمثيليات الجزائرية بالخارج، وفق ما تؤكده تقارير متقاطعة.
في السياق ذاته، اثار القرار جدلا واسعا داخل اوساط الجالية الجزائرية، حيث اعتبر البعض ان لجوء السفير يعكس فقدان الثقة حتى من طرف أبناء النظام نفسه، فيما رأى آخرون ان فرنسا قد تستغل هذا المعطى كورقة ضغط اضافية في علاقتها المتوترة اصلا مع الجزائر.
يشار الى ان العلاقات بين البلدين تعرف توترا دائما منذ سنوات، ويتخذ اشكالا متعددة، من تبادل طرد الدبلوماسيين، الى التصريحات العدائية المتبادلة، وصولا الى خلافات حول ملفات الهجرة والذاكرة والتعاون الامني.
وتجد السلطات الجزائرية نفسها اليوم في موقف محرج، خاصة امام الراي العام الداخلي الذي لطالما جرى تلقينه خطاب العداء لفرنسا، ليفاجأ بان احد كبار ممثلي الدولة يلجأ الى العدو التاريخي عند اول فرصة.
ويرى مراقبون ان القضية تتجاوز بعدها الفردي، وتعكس حالة اضطراب سياسي داخل النظام الجزائري، الذي بات عاجزا عن ضبط سفرائه، او حتى ضمان ولائهم.
كما تفتح الباب امام سيناريوهات اكثر حرجا اذا ما قرر السفير كشف كواليس اشتغاله، او الحديث عن التعليمات التي كانت تصله من الجزائر، وهو ما يخشى ان يتحول الى ملف استعلاماتي قابل للاستغلال.
كما تلتزم فرنسا، من جهتها، الصمت، وتراقب تطورات الملف دون ضجيج، في انتظار ما اذا كانت الجزائر ستغامر بطلب تسليمه او ستتجاهل الموضوع كما اعتادت في ملفات مشابهة.