في أواخر التعسينات، ومع بداية ثورة الإنترنت، عرف المغرب ظهور نمط موسيقي مختلف يمتحُ من ثقافة الهيب هوب الأمريكية، ويحاول أن يُمغربها إلى أقصى حد.
من بين دروب الأحياء الشعبية، في مدن بعينها، بدأت تخرج مقاطع موسيقية من فن “الراب”، وتستعمل كلمات دارجة لأول مرة.
تدريجيا، ومع تطور طرق العرض، ومع شهرة موقع يوتوب وعدد من المنصات الأخرى، بدأ هذا الفن يأخذ له مكانا بين عشاقه الذين كانوا يكتفون سابقا بالمواد الموسيقية الآتية من أمريكا.
ازداد عدد المستمعين ووصل إلى الآلاف وربما الملايين، وكان أغلبهم من أبناء الأحياء الشعبية والهامشية الذين وجدوا في كلمات هذا النوع الموسيقي ما يعبّر عنهم وعن همومهم.
وطيلة هذه الفترة لم تتجاوز أغاني الراب عالم الإنترنت، وكانت تصل منه مباشرة إلى مستمعيها من الشباب، دون أن تأخذ بها أي صيت في منابر إذاعية أو تلفزية، خاصة كانت أو رسمية.
لكن، مع الشهرة المتصاعدة بدأت بعض المنابر تتجرأ وتستضيف فنانا من هنا وفنانا من هناك، ثم وصل الأمر إلى الإذاعة ثم التلفزة، حتى الرسمية منها، وأصبح فن الراب واحدا من الفنون المعترف بها (إلى حد ما) لدى المستمع المغربي عموما، ما دام قد تم التطبيع معها.
وهنا، عرف فن الراب انتقالا جذريا لدى عدد من المؤدّين، حيث بدأ الجانب التجاري يظهر بجلاء، وأصبحت إمكانية تحويل الموهبة والهواية إلى ربح.. ربح طائل أحيانا.
وبعد مرحلة “الربيع العربي” خصوصا، بدأ الراب التجاري (الكوميرسيال) يأخذ له مكانا، وانتقل عدد من الفنانين من الحديث باسم المهمشين وتناول مواضيع “الزنقة” وقساوة العيش وشظفه، إلى نوع آخر من الغناء يصعب أن يصنف في فن الراب.
يعرف عن الراب أنه أداء قبل كل شيء (فلو)، وقد لا يعتمد على جمال الصوت، بل ربما يعتمد على خشونته أكثر، لكن النوع الموسيقي الذي ظهر وقتها لم يكن له علاقة بذلك، وحوّل الراب إلى نوع موسيقي هجين وغريب.
ومن الواضح أن الضرورة المالية والتجارية دعت هؤلاء الفنانين إلى تغيير وجهتهم نحو الغناء العادي، وتناول مواضيع اجتماعية “ناعمة” ورومانسية جعلت بعض فناني الراب “الأندرغراوند” ينتقدونها ويطلبون منهم أن يطلقوا اسما جديدا على أغانيهم، والابتعاد عن مزاحمة فناني “الراب”.
عقود بالملايين، وسيارات فاخرة، وحفلات في دول مختلفة، كل هذا جعل الرؤية تختلف، وجعل الكثير جدا من المؤدين ينتقلون من “الراب القاصح” إلى “الغناء الناعم”.
لاقى هذا التوجه انتقادا كبيرا من طرف عشاق الراب الحقيقيين، ولقي ترحيبا من بعض المستمعين الجدد الذين لا يهمهم أصالة الراب ما دامت المادة الغنائية تروقهم ويجدون فيها ذواتهم.
باختصار شديد، دخول الجانب التجاري على فن الراب في المغرب جعل رؤية فنانيه تتغير بشكل جذري وتسعى جاهدة لمجاراة دنيا “الكوميرسيال”، في حين بقي بعض الفنانين متشبثين بأصالة هذا الفن ومصرين على أن الانسياق وراء الموجة من أجل المال وحده أفسد هذا الفن تماما وأفقده مذاقه “الثوري” الجميل.
المصدر : اخر الساعة