تكرس مسودة القرار الأمريكي بشأن الصحراء المغربية، في صيغتها النهائية المتداولة داخل مجلس الأمن الدولي، تحول جوهري في البنية المرجعية للملف، إذ تستند حصريا إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد الذي تُبنى عليه مقاربة الحل السياسي، دون إدراج أي صيغة مقابلة أو إحالة على خيارات موازية، وفق ما كشفته مراجعة دقيقة للوثيقة المتداولة بين الوفود الدبلوماسية.
وتُظهر المسودة، التي تُتداول بين الأعضاء الدائمين والمنتخبين في المجلس دون مؤشرات واضحة على تعديل جوهري في بنيتها، غياب أي تعددية في المرجعيات السياسية أو توازن بين مقترحات مختلفة.
وتكتفي الوثيقة بإبراز المبادرة المغربية بصيغة وصفية ثابتة ومتكررة – “جادة، واقعية، وذات مصداقية” – وهي الصيغة ذاتها التي استُخدمت في قرارات سابقة، لكنها تظهر هذه المرة ضمن سياق لغوي وسياسي أكثر إغلاقا، يحصر المرجعية في اتجاه واحد دون تعويض أو مفاضلة.
ولا يتضمن النص، وفق المصادر الدبلوماسية المطلعة على مضمونه، أي مفاهيم تفاوضية مفتوحة من النوع الذي كان يُستخدم في وثائق سابقة لإفساح المجال أمام تأويلات متعددة أو مسارات بديلة.
كما لم يُسند النص أدوار أو توصيفات إضافية لأي طرف خارج الإطار الجاري، ولم يُدرج أي توجه نحو مراجعة المنطلقات الأساسية للعملية السياسية، أو إعادة فتح المسار على احتمالات جديدة قد تُغير من طبيعة المقاربة المعتمدة.
ويجعل هذا البناء اللغوي والسياسي من الوثيقة المتداولة أقرب إلى شكل نهائي لمسار بات محدد المرجعية، مؤطر اللغة، ومعزول بشكل واضح عن منطق التفاوض الكلاسيكي الذي كان يحكم تعامل الأمم المتحدة مع الملف خلال العقود الماضية. فالنص لا يُقدم نفسه كمنصة للبحث عن نقاط التقاء أو تفاهمات جديدة، بل كوثيقة تثبيت لإطار سياسي قائم ومعتمد.
وفي خلفية هذا البناء، تغيب بشكل لافت العناصر التي كانت تملأ قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن، سواء من حيث الصيغ المفهومية التي كانت تفتح المجال لتأويلات متباينة، أو الإشارات القانونية التي كانت تُستخدم لإرساء توازن ظاهري بين الأطراف المعنية.
ولم يعد النص يوسع النقاش أو يفتح آفاق جديدة، بل يضيقه بإحكام، ولم يعد يصف الأطراف بحيادية إجرائية، بل يُعيد توزيع الأدوار داخل معادلة سياسية مكتملة لا تحتاج إلى إعادة تعريف.
وتأتي الإشارة إلى المبادرة المغربية ضمن ترتيب لغوي دقيق يُقفل النقاش حول جدواها أو قابليتها للمراجعة، لا كمقترح ينتظر الموافقة أو التقييم، بل كمرجعية معتمدة بحكم التكرار المؤسسي المتواصل وتوحيد التوصيف عبر السنوات داخل أروقة مجلس الأمن.
ويحول هذا الإقفال اللغوي والسياسي القرار، حتى وإن لم يُعلن ذلك صراحة في صلب النص، إلى وثيقة تقنين لمسار أنهى التعدد المرجعي واستقر بشكل نهائي على إطار واحد.
وبهذا المعنى، تنتقل المبادرة المغربية من مجرد مقترح مطروح بين مقترحات محتملة، إلى أساس تفاوضي لا رجعة عنه، ومن خيار قابل للنقاش إلى إطار مُجمع عليه ضمنيا داخل دوائر صنع القرار الدولي.
وتُظهر الوثيقة أن المغرب لم يعد طرف يُطالَب بتقديم مبادرات إضافية أو تعديلات على مقترحاته، بل أصبح صاحب المبادرة الوحيدة المعترف بها أمميا، بينما يُطالَب الطرف الآخر بالتعامل مع هذا الواقع المرجعي الجديد.
أما بالنسبة لمهام بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، فلم تُربط في النص بأي توسيع مفهومي أو تغيير في الصلاحيات.
ولم تُسند للبعثة مهام جديدة تتجاوز نطاق المرافقة السياسية للعملية الجارية، ولم تُطلب منها مراجعة شاملة لمسار العمل، ولا تقييم للخيارات المطروحة، ولا عودة إلى مرجعيات سابقة كانت تُعتبر جزء من الإطار التفاوضي.
بل تم، على العكس من ذلك، تثبيت مهمة البعثة في امتداد طبيعي لوضع سياسي قائم ومستمر، لا في تمهيد لتفاهم جديد أو فتح لآفاق تفاوضية غير محددة المعالم.
وتُظهر هذه الصياغة أن البعثة الأممية لم تعد تبحث عن حل بالمعنى التقليدي للكلمة، بل تدير وتراقب تنفيذ حل يجري تطبيقه تدريجيا، وهذا فرق جوهري في الوظيفة والمعنى.
وبهذه البنية الإجمالية، لا يمثل مشروع القرار الأمريكي مرحلة جديدة في مسار التسوية بالمعنى التقليدي الذي ساد خلال العقود الماضية، بل يكرس إغلاق لغوي وسياسي واضح على رؤية واحدة لم تترك في الوثيقة مكان لسواها، ولم تعد بحاجة إلى الدفاع عن حضورها لأنها باتت الإطار المعتمد فعليا.
وتشير هذه المعطيات إلى أن مجلس الأمن، من خلال هذه المسودة، لم يعد وسيط بين خيارات متعددة، بل أصبح مصادق على خيار وحيد، ولم يعد يدير نزاع مفتوح على حلول متنوعة، بل يدير ملف يُراد له أن يتحول تدريجيا من نزاع إلى عملية تنفيذ لإطار مُجمع عليه دوليا، وفق ما تُظهره قراءة متأنية لمضمون النص وبنيته المرجعية.

