أظهرت البيانات النقدية الصادرة عن بنك المغرب تسارعا في نمو القروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي، الذي انتقل من 3,5 في المائة في فبراير إلى 3,9 في المائة خلال مارس الماضي، بدعم من ارتفاع وتيرة قروض التجهيز بنسبة 9,8 في المائة على أساس سنوي.
ويعكس هذا التطور تحركا واضحا في تمويل مشاريع البنية التحتية والاستثمار، في سياق تحضيرات المملكة لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030.
وارتفعت القروض الموجهة للشركات الخاصة غير المالية من 1,7 إلى 2,1 في المائة، بينما استقرت وتيرة نمو القروض الممنوحة للأسر عند 2,3 في المائة، والقروض الموجهة للمؤسسات العمومية غير المالية عند 11,9 في المائة.
وتُظهر هذه المؤشرات أن الزخم التمويلي يتركز بشكل ملحوظ في محور المقاولات، مع بقاء التمويل الموجه للأسر في مستويات محدودة.
وحسب التوزيع حسب الغرض الاقتصادي، عرفت تسهيلات الخزينة نمواً بنسبة 3,8 في المائة، في حين استقرت القروض العقارية في مستوى نمو بلغ 2,7 في المائة، مقابل نمو بـ1,9 في المائة فقط للقروض الاستهلاكية.
وتُمثل هذه النسب منحى متمايزا في التمويل البنكي، حيث تشهد قروض الاستثمار نمواً أسرع مقارنة بتمويل الأنشطة المرتبطة بالاستهلاك الفردي أو السكن.
وتتماهى هذه الدينامية مع البرنامج الوطني المتسارع لتحديث البنيات التحتية، والذي انطلق بشكل فعلي منذ إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم رسميا عن تنظيم مونديال 2030 من طرف المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
وتغطي المشاريع قيد الإنجاز قطاعات النقل الحضري، توسيع المطارات، تأهيل الملاعب، وتشييد فضاءات رياضية وسياحية جديدة، إلى جانب تطوير قدرات الضيافة والخدمات.
وفي نفس السياق، سجلت نشرة بنك المغرب تراجعاً في وتيرة نمو الديون المتعثرة بنسبة 2,3 في المائة، بعد ارتفاع بـ3,2 في المائة في الشهر السابق.
كما استقر معدل الديون المتعثرة بين إجمالي القروض البنكية عند 8,4 في المائة، ما يعكس استقراراً نسبياً في جودة المحفظة البنكية، رغم ارتفاع الإيقاع العام للإقراض.
الكتلة النقدية (م3) سجلت بدورها ارتفاعاً سنوياً بنسبة 8 في المائة، لتصل إلى 1.912,5 مليار درهم. ويُعزى هذا النمو، وفق النشرة النقدية، إلى زيادة الديون الصافية على الإدارة المركزية من 7 إلى 7,5 في المائة، وارتفاع الأصول الاحتياطية الرسمية من 2,3 إلى 2,5 في المائة، إلى جانب تسارع القروض البنكية للقطاع غير المالي.
فيما يتعلق بالأصول النقدية، سجلت الأصول النقدية للشركات الخاصة غير المالية نمواً بنسبة 18,7 في المائة، مقابل 18,5 في المائة خلال الشهر السابق، بينما بقي نمو الأصول النقدية للأسر في حدود 5,9 في المائة، دون تغيير ملحوظ.
وتعكس هذه المؤشرات توازنًا دقيقًا بين استقرار الأسس النقدية من جهة، وتوجيه التمويل نحو مشاريع الاستثمار الكبرى من جهة ثانية، في مرحلة تتطلب تعبئة مالية مهمة من أجل مواكبة التحولات التي تفرضها التحضيرات المرتبطة بتنظيم تظاهرة عالمية بمستوى كأس العالم.
تُظهر المعطيات المالية أيضاً أن الجهاز البنكي يحتفظ بهامش تعبئة مهم دون تسجيل اختلالات مقلقة على مستوى المخاطر، وهو ما يسمح بتوسيع قاعدة التمويل الموجهة للمشاريع التي تدخل ضمن المخطط الوطني للبنية التحتية المرتبط بأفق 2030.
في هذا السياق، تُراهن المؤسسات المالية على الحفاظ على هذا النسق المتوازن، لا سيما في ظل التزامات استثمارية تمتد على مدى السنوات الخمس المقبلة. ويتوقع أن يُسهم هذا التوجه في تعزيز جاذبية السوق الوطنية للاستثمار، واستيعاب جزء من الطلب المرتبط بالمشاريع الجارية في قطاعات البناء، الأشغال العمومية، النقل، اللوجستيك، والفندقة.
وتندرج هذه الدينامية المالية ضمن التحولات التي تعرفها السياسات العمومية في المغرب، والتي تُعطي الأولوية في المرحلة الراهنة للاستثمار المنتج ذي الأثر الهيكلي. وتُشير البيانات البنكية إلى أن القنوات التمويلية أصبحت أكثر توجيهاً نحو دعم المشاريع المهيكلة، التي تستهدف توسيع الطاقة الاستيعابية للبنيات والخدمات في المدن المعنية بمونديال 2030، وفي محيطها الجهوي.
ومن المنتظر أن تستمر هذه الدينامية خلال الأشهر المقبلة، مدفوعة بتنزيل دفاتر التحملات الخاصة بالمشاريع الكبرى، وتسريع وتيرة الالتزامات التعاقدية للمؤسسات العمومية والشركاء الخواص في ما يخص إنجاز وتجهيز البنيات التحتية. كما يُتوقع أن تظهر تأثيرات هذه الدينامية تدريجياً على مؤشرات الاستثمار الداخلي والنمو القطاعي، خاصة في مجالات البناء والخدمات المرتبطة بالسياحة والرياضة والنقل.
في المدى القريب، تظل مؤشرات السلامة البنكية تحت المراقبة، بالتوازي مع التزامات بنك المغرب في ضبط السيولة، ومواكبة وتيرة التمويل دون المساس بالاستقرار النقدي.