في مواجهة تداعيات السياحة المفرطة، اتخذت العديد من المدن الأوروبية خطوات جديدة للتخفيف من الضغوط المتزايدة على السكان المحليين والبنية التحتية عبر فرض رسوم دخول على الزوار. وفي حين تمثل فنيسيا الإيطالية واحدة من أبرز الأمثلة، حيث بدأت بتطبيق رسوم تجريبية، تسعى مدن أخرى مثل إشبيلية الإسبانية إلى حذو حذوها للتصدي لتدفق السياح اليومي الذي يتسبب في اكتظاظ الشوارع وزيادة التلوث.
وقد جاء هذا التوجه بعد احتجاجات نظمها سكان محليون في مدن إسبانية مثل جزر الكناري ومايوركا، حيث عبّر الآلاف عن غضبهم من آثار السياحة الزائدة التي دفعت بالإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة وزادت من ضغط الحشود على الأماكن العامة. ففي فينيسيا، التي تُعد وجهة سياحية عالمية، استمر تطبيق الرسوم التجريبية لمدة 29 يوماً، ومن المقرر أن يتم تعميمها في عام 2025، على أمل أن تؤدي إلى تقليل الزحام وتحسين جودة الحياة للسكان.
الأسباب والمبررات لفرض الرسوم
يرى خبراء السياحة أن فرض رسوم على الزوار يمكن أن يكون وسيلة للتخفيف من حدة التزاحم، خاصة إذا ما أُعيدت إيرادات هذه الرسوم إلى السكان المحليين. ويشير كريستيان لايسر، أستاذ السياحة بجامعة سويسرية، إلى أن تطبيق نظام للحجوزات السياحية، بحيث يتم التحكم في عدد الزائرين، قد يكون أيضاً من بين الحلول الممكنة، إذ يقترح أن يسمح يومياً بدخول 30 ألف زائر كحد أقصى إلى فينيسيا، مع إعطاء الأولوية لمن يخططون مسبقاً لحجوزاتهم.
ويؤكد لايسر أن الاستفادة من الرسوم لا تنحصر فقط في فرض التكلفة على الزوار، بل في جعلهم يساهمون بشكل مباشر في تكاليف البنية التحتية المحلية، حيث أن السائحين خلال النهار غالباً لا يدفعون رسوماً تُفرض عادة على من يقضون ليلتهم في الفنادق. ويضيف أن الحل الأمثل قد يكمن في إعادة توزيع جزء من إيرادات هذه الرسوم للسكان المتأثرين مباشرة بتدفق السياح.
دور اقتصاد المشاركة
من جهة أخرى، فإن ازدهار “اقتصاد المشاركة” عبر منصات مثل “اير بي ان بي” ساهم في زيادة أعداد السياح إلى مستويات غير مسبوقة. ومع انخفاض تكاليف الطيران والإقامة، تمكن ملايين الأشخاص من السفر إلى وجهات لم يكونوا ليصلوا إليها في الماضي، ما أدى إلى تفاقم مشكلة السياحة المفرطة في المدن ذات المساحة المحدودة والمواقع التاريخية.
وفي ظل هذه التحديات، يأمل مسؤولو المدن الأوروبية في أن تكون الرسوم المفروضة وسيلة فعالة لحماية معالمهم التاريخية وأسلوب حياة سكانهم، وسط توقعات بانتشار هذا التوجه ليشمل المزيد من الوجهات السياحية الشهيرة في أوروبا، وذلك عبر توفير بيئة أكثر تنظيمًا وراحة للزوار والسكان على حد سواء.