أثار مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يتضمن سيطرة أميركية على قطاع غزة وربطه بمخطط لإعادة توطين مؤقت للفلسطينيين في دول مجاورة، جدلًا واسعًا، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع والتداعيات الإنسانية والسياسية المترتبة عليها.
ويعيد المقترح، الذي رُوّج له على أنه حل للأزمة، إلى الأذهان مشاريع سابقة سعت إلى إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية في المنطقة، وسط مخاوف من كونه خطوة أخرى نحو تصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير السكان الأصليين.
منذ نكبة 1948، ظل التهجير القسري جزءًا من السياسات الإسرائيلية الساعية إلى تقليص الوجود الفلسطيني.
من مشروع توطين اللاجئين في سيناء خلال الخمسينيات إلى خطط نقلهم إلى الأردن أو إعادة توزيعهم في أماكن أخرى، تكررت المحاولات التي هدفت إلى إفراغ الأرض الفلسطينية من سكانها وإعادة تشكيل ديموغرافيتها بما يخدم مصالح إسرائيل.
وفي ظل الحروب المتكررة على غزة، برزت مقترحات جديدة تعيد طرح فكرة نقل السكان إلى مناطق أخرى، تارةً بدعوى توفير ظروف معيشية أفضل، وتارةً أخرى تحت غطاء إعادة الإعمار.
ويبدو مقترح ترامب الأخير امتدادًا لهذا النهج، حيث يضع مستقبل القطاع في سياق ترتيبات إقليمية تثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراءه.
كما يبدو المقترح متماشيًا مع سياسات أميركية سابقة حاولت فرض حلول أحادية الجانب على الفلسطينيين، خاصة خلال إدارة ترامب الأولى، التي شهدت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، إلى جانب دعم خطط الضم في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، لا ينفصل الحديث عن مستقبل غزة عن الرؤية التي تسعى إلى تفكيك القضية الفلسطينية إلى ملفات منفصلة، بحيث يتم التعامل مع كل جزء بمعزل عن الآخر، بدلًا من الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ككل.
غير أن الموقف الفلسطيني من هذه الطروحات جاء رافضًا بشكل قاطع، إذ أكد المسؤولون الفلسطينيون أن أي محاولات لإعادة توطين السكان أو فرض وصاية خارجية على غزة تتعارض مع الحق الفلسطيني في تقرير المصير.
الفصائل الفلسطينية بدورها رأت أن مثل هذه المقترحات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء إنساني، مستغلةً الظروف الصعبة التي يواجهها سكان القطاع بسبب الحصار والدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة.
وعلى الصعيد الإقليمي، أبدت دول الجوار تحفظًا على أي مخططات تؤدي إلى تغيير التوازنات السكانية في المنطقة.
وسبق لكل من مصر والأردن، اللتان تستضيفان أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ عقود، أن رفضتا مقترحات مشابهة، خشية أن تتحول الحلول المؤقتة إلى واقع دائم يفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها هذه الدول.
كما أن أي تغيير ديموغرافي في غزة قد يكون له تأثيرات أمنية غير محسوبة، في ظل التوترات المستمرة في المنطقة.
ورغم أن المقترح لم يتحول بعد إلى خطة رسمية قابلة للتنفيذ، إلا أن طرحه في هذا التوقيت يثير القلق حول ما إذا كانت هناك محاولات لتهيئة الأجواء لقبوله مستقبلًا، سواء عبر الضغط الاقتصادي أو من خلال استمرار التصعيد العسكري الذي قد يدفع المزيد من الفلسطينيين إلى البحث عن حلول خارج القطاع.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأساسي: هل يشكل مقترح ترامب خطوة نحو حل الأزمة، أم أنه مجرد امتداد لمحاولات قديمة تسعى إلى فرض واقع جديد يخدم مصالح أطراف إقليمية ودولية على حساب الحقوق الفلسطينية؟