إعداد: لمياء جباري – عن: فورين بوليسي ” Foreign Policy” OCP
منذ دخول اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي حيز التنفيذ، قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، كان أداء الصادرات المغربية إلى أسواق الاتحاد الأوربي مخيبا للآمال إلى حد ما، في حين زاد العجز التجاري للمغرب مع الاتحاد الأوربي بشكل كبير، ودفع هذا العديد من المراقبين إلى النظر إلى الاتفاقية بعين ناقدة. ومع ذلك، فإن الموازين التجارية الثنائية ليست دائمًا كافية لتقييم آثار اتفاقية التجارة، خاصة وأن المغرب جنى فوائد كبيرة من هذا الاتفاق بطرق أخرى.
وفي هذا الإطار، قام الباحثان ريم برحاب ويوري دادوش، في وثيقة منشورة بمركز السياسات بالجنوب الجديد، بدراسة آثار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي.
عندما دخلت اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ في عام 2000، كانت حصة المغرب في أسواق البضائع الأوربية تمثل 0.6٪. في عام 2017، بلغت هذه النسبة 0.8٪. وهو أداء يعد محترما، لكنه أقل مما كان يأمله العديد من المراقبين. ومن سنة 2000 إلى عام 2017، زادت صادرات المغرب إلى الاتحاد الأوربي بوتيرة أسرع من تلك التي ذهبت إلى بقية دول العالم (6.7٪ مقابل 9.6٪ في المتوسط السنوي).
وتوضح الوثيقة التي صدرت عن مركز السياسات بالجنوب الجديد، بشأن آثار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي، أن حصة المغرب في الصادرات العالمية زادت بشكل كبير حتى عام 2017 مقارنة بعام 2000، من 0.14٪ إلى 0.2٪، وأن حصتها في الواردات العالمية زادت أكثر من 0.17٪ إلى 0.25٪. ولكن لماذا لم تنمُ صادرات المغرب إلى الاتحاد الأوربي بوتيرة أسرع؟ لماذا نمت الصادرات المغربية إلى الاتحاد الأوربي بشكل أبطأ من الصادرات المغربية إلى بقية دول العالم؟
يقدم الباحثان ريم برحاب ويوري دادوش، في الوثيقة ذاتها، أجوبة عن هذه التساؤلات توضح أن عدة رياح معاكسة، معظمها لا علاقة لها باتفاقية التجارة الحرة، ساهمت في ذلك. ربما الأهم من ذلك أن أوروبا هي المنطقة الأبطأ نموًا في العالم.
منذ عام 2008، عانت أوروبا بشدة من الأزمة المالية العالمية وأزمة الأورو. كان لهذه الأزمة تأثير واضح بشكل خاص على جنوب أوروبا، سيما إيطاليا وإسبانيا، اللتين تعدان، إلى جانب فرنسا، الشريكين التجاريين الرئيسيين للمغرب. وبقدر ما يأمل أن تكون هذه الصدمات السلبية أحداثًا لمرة واحدة، فمن الممكن أن يتحسن أداء المغرب التجاري في الأسواق الأوربية في السنوات القادمة – بشرط استمرار النمو الأوربي.
ووفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي لشهر أكتوبر 2019، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأوربي بوتيرة متواضعة تبلغ 1.6٪ خلال السنوات الخمس المقبلة. هذا الأداء، إذا تحقق، سيمثل تحسنا مقارنة بفترة ما بعد عام 2008، لكن النمو في أوربا سيظل منخفضًا للغاية وفقًا للمعايير العالمية. وبالتالي، حتى في حالة السيناريو الإيجابي، فإن حاجة المغرب إلى ترسيخ نفسه بشكل أفضل في الأسواق الكبيرة سريعة النمو في آسيا وأمريكا الشمالية أمر لا مفر منه. وعلى الرغم من صغر حجم السوق في إفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنها تقدم فرص نمو واضحة في بعض القطاعات للمغرب.
نمو الصادرات الفلاحية إلى الاتحاد الأوربي
يظل الاتحاد الأوربي إلى حد بعيد أكبر سوق للمنتجات الزراعية المغربية، حيث استحوذ على 66٪ من الصادرات الزراعية المغربية في عام 2017، بقيمة 3.1 مليارات دولار أمريكي، مسجلا ارتفاعًا من 62٪ في عام 2002.
وتعد الصادرات من المغرب إلى الاتحاد الأوربي أعلى بكثير من تلك الموجودة في الأسواق الرئيسية الأخرى وهي الولايات المتحدة وتركيا وروسيا. وأضافت وثيقة الباحثين أنه لطالما كان ينظر إلى صادرات المنتجات الزراعية، وخاصة الفواكه والخضروات، على أنها ميزة نسبية للمغرب.
وتضمنت اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي أحكامًا لتنظيم التجارة الزراعية وساهمت في تحرير متواضع في هذا القطاع. وفي عام 2006، تمت إعادة التفاوض على هذه البنود، مما أدى إلى توقيع اتفاقية جديدة في دجنبر 2010 ودخلت حيز التنفيذ في 1 أكتوبر 2012.
وبينما حررت الاتفاقية الجديدة جزءًا كبيرًا من التجارة الزراعية بين الطرفين، فإن العديد من المنتجات المهمة للمغرب تعتبر حساسة من قبل الاتحاد الأوربي ولا تزال تخضع لنسبة التعريفة الجمركية الموسمية. وقد نتج عن الاتفاقية الجديدة، التي دخلت الآن عامها السابع من التطبيق، نمو مستدام في الصادرات الزراعية المغربية إلى الاتحاد الأوربي، بنسبة زادت 11٪ في المتوسط سنويًا بين عامي 2002 و2017، بفضل الظروف المناخية المواتية نسبيًا في المغرب.
كانت الخضروات وبعض الجذور الصالحة للأكل والفواكه والمكسرات الصالحة للأكل وكذلك محضرات اللحوم والأسماك والمحار هي الفئات الرئيسية الثلاث للمنتجات الزراعية التي صدّرها المغرب إلى الاتحاد الأوربي خلال الفترة 2013-2018، بارتفاع بنسبة 36٪، 23٪ و20٪ على التوالي.
وزادت صادرات الخضر المغربية إلى الاتحاد الأوربي على وجه الخصوص بنسبة 12٪ في المتوسط سنويًا بين عامي 2002 و2017، مما يعكس جزئيًا زيادة المعروض المغربي من الخضر وتقييم أفضل للمنتجات المباعة، وذلك بفضل جهود تحسين الجودة.
فوائد للتبادل الحر بدون نتيجة واضحة
يشير تقييم الباحثين ريم برحاب ويوري دادوش إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوربي والمغرب، مصحوبة بتحرير التجارة متعدد الأطراف، جلبت فوائد كبيرة للمغرب (زيادة الصادرات وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وانخفاض الأسعار والانضباط السياسي) لكن هذه الفوائد لم تحقق نتائج واضحة بشكل ملموس. انعكس ذلك بشكل أكبر في تسريع النمو المستدام الذي توقعه الكثيرون.
ولكن لا تزال نقاط ضعف الاقتصاد الكلي في المغرب قائمة، والمراقبون محقون في القلق بشأن استدامة العجز التجاري للمغرب. كما أنهم قلقون بحق بشأن ارتفاع معدلات البطالة في البلاد، والتي تؤثر بشكل خاص على الشباب، وأن العجز التجاري لا يساعد.
وتشير التوقعات الحالية لصندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بمعدل متواضع يبلغ 3٪ أو أقل في عام 2019، ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، الذي يعتمد في معظمه على مياه الأمطار ويخضع للتغيرات المناخية. ومن المتوقع فقط أن يتحسن الحساب الجاري تدريجياً على المدى المتوسط، لينخفض إلى 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي مع زيادة الصادرات، وذلك بفضل زيادة الطلب من منطقة الأورو وتوسع قطاعات التصدير الأقوى، والقيمة المضافة، مثل صناعة الطائرات والسيارات. الدين العام المغربي مرتفع ويمثل ما يقرب من 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يعتبر مقاومًا تمامًا للصدمات.