منذ مطلع يونيو، لم تعد الأرصفة الهادئة لميناء طنجة المدينة تعرف سكونا. ففي غضون أيام قليلة، رست سفن سياحية عملاقة حاملة آلاف الركاب من مختلف الجنسيات، بينما تستعد أرصفة الميناء لاستقبال موجة جديدة من الوافدين عبر البحر، في مشهد بات يتكرر بوتيرة لافتة، ويرسخ عودة طنجة إلى الواجهة كوجهة بحرية بامتياز على ضفاف المتوسط.
ففي الثامن من يونيو، أطلّت السفينة الألمانية أرتانيا، التابعة لشركة فينيكس رايزن، وعلى متنها 1032 راكبا و514 من أفراد الطاقم.
ورست السفينة، التي تعد من أعرق سفن الرحلات الطويلة، في طنجة قادمة من لاس بالماس بجزر الكناري ضمن مسار يضم موانئ متوسطية وأوروبية عدة، في رحلة من 17 يوما تنتهي في بريمرهافن الألمانية.
وتأتي زيارة أرتانيا امتدادا لحركية بحرية تصاعدية عرفها ميناء طنجة المدينة منذ بداية السنة، حيث استقبلت أرصفته عددا من السفن السياحية المرموقة، كما سبق أن رست فيه بواخر كبرى مثل إم إس سي غرانديوزا وكوين فيكتوريا وبيليم، ما يؤكد تحول المدينة إلى محطة ثابتة في خرائط شركات الرحلات البحرية.
وخلال ما تبقى من شهر يونيو وحده، ينتظر أن ترسو خمس سفن إضافية على الأقل في ميناء طنجة، من بينها سفينة أوشينيا مارينا في 20 يونيو، وسفينة سيلفر راي في مناسبتين، وسفينة سيليبرتي إكويْنوكس في 26 يونيو، تليها سفينة ماين شيف 4 التابعة لشركة تي يو آي كروزز الألمانية في 28 يونيو، وهي واحدة من أكبر السفن السياحية التي دأبت على اختيار طنجة كموعد ثابت في جداولها الموسمية.
وتقدر الطاقة الاستيعابية لهذه السفن مجتمعة بأزيد من 8500 راكب، ما يجعل يونيو من أكثر الشهور نشاطا منذ إعادة تهيئة ميناء طنجة المدينة.
ولا يتوقف الزخم عند هذا الحد، فشهر يوليوز سيعرف بدوره رسو سفن كـ إم إس أوسترْدام وكراون برينسس وسبيريت أوف أدفنشر، قبل أن تستمر الزيارات في غشت مع سفن من طراز سيلفر راي وسيليبرتي إكويْنوكس وغيرها.
وتندرج هذه الدينامية ضمن نتائج استراتيجية متكاملة اعتمدها المكتب الوطني المغربي للسياحة، ترتكز على تعزيز موقع المغرب ضمن سوق الرحلات البحرية العالمية، وتقديم موانئه كوجهات آمنة ومتعددة الجاذبية.
وقد عمل المكتب على تسويق عرض طنجة السياحي والثقافي في المحافل الدولية المتخصصة، مع دعم التنسيق بين الفاعلين العموميين والخواص لتطوير سلاسة الاستقبال والخدمات المينائية.
ويساهم هذا التوجه في تثبيت اسم طنجة في المسارات الثابتة لأكبر شركات الملاحة السياحية، التي باتت تبرمج المدينة بشكل متكرر ضمن عروضها الموسمية، مدفوعة بما توفره من تنوع في العرض الحضري، وسهولة الوصول إلى معالم المدينة القديمة، وقرب الأرصفة من النسيج السياحي والتجاري للوسط التاريخي.
ولم يكن هذا النجاح ليتحقق لولا الرؤية المؤسساتية التي قادت منذ سنة 2010 إلى تحويل الميناء القديم إلى قطب سياحي وترفيهي، في إطار مشروع “طنجة الكبرى”. وتمت إعادة تهيئة الأرصفة، وتوفير فضاءات استقبال متطورة، وتأمين الربط المباشر مع قلب المدينة القديمة، ما جعل تجربة النزول في طنجة فريدة لآلاف المسافرين العابرين.
وفي كل صباح ترسو فيه سفينة جديدة، تتحول الساحة البحرية قرب الميناء إلى خلية نحل: مرشدون سياحيون، عربات كهربائية، باعة تقليديون، وسياح يلتقطون صورا لباب القصبة وساحة 9 أبريل… مدينة بأكملها تتحرك على وقع بحر يعيد إليها وهجها من جهة المرسى.
طنجة، التي لطالما ارتبط اسمها بعطر المتوسط وعبق الأطلسي، تستعيد اليوم مكانتها من بوابة الرحلات البحرية. وفي خلفية هذا التحول، يقف المكتب الوطني للسياحة بهدوء مؤسساتي، يرسم الخطوط البحرية كما لو كان يخط مصير مدينة لا تريد أن تغيب مجددا عن الخريطة.
