في مشهد يجسد حالة التناقض والهشاشة التي تطبع الهوية الجزائرية، ظهرت مندوبة الجزائر لدى الاتحاد الإفريقي، سلمى حدادي، مرتدية الزي العثماني التقليدي المعروف بـ”الكاراكو”، في وقت يشن فيه الإعلام الجزائري حملة هستيرية لادعاء أن القفطان المغربي جزء من تراثه الوطني.
هذه المفارقة الصارخة ليست مجرد تفصيل بروتوكولي، بل تكشف عن أزمة هوية عميقة يعاني منها النظام الجزائري، الذي يتخبط بين إرث عثماني مهيمن وتاريخ استعماري فرنسي لم يستطع التحرر منه، بينما يحاول عبثا سرقة رموز التراث المغربي لتعويض افتقاده لأي إرث ثقافي متماسك.
ويمثل “الكاراكو”، الذي ظهرت به المسؤولة الجزائرية، واحدًا من أبرز الشواهد على عمق التغلغل العثماني في المجتمع الجزائري، حيث ظل هذا الزي مرتبطًا بطبقة “الحريم العثماني” في قصور الدايات والبايات خلال أكثر من ثلاثة قرون من السيطرة العثمانية على الجزائر.
ورغم محاولات النظام الجزائري بناء سردية قومية تدّعي “الاستقلالية الثقافية”، فإن رموزه الرسمية تكشف ولاء غير معلن للإرث العثماني، في تناقض فج مع الدعاية الموجهة ضد جيرانها.
وفي الوقت الذي يفشل فيه النظام الجزائري في تقديم هوية وطنية مستقلة، لا يجد بديلاً سوى اللجوء إلى استراتيجية السطو على تراث الغير، وتحديدا المغرب، الذي يمتلك تاريخا حضاريا متجذرًا ظل مستقلا عبر العصور، عكس الجزائر التي لم تعرف كيانا سياسيا موحدًا قبل ترسيم حدودها على يد فرنسا بتاريخ 5 يوليوز 1962.
وفي إطار هذه الأزمة المستمرة، يقود الإعلام الجزائري حملة تضليلية ممنهجة تهدف إلى نسب القفطان المغربي إلى الجزائر، في محاولة يائسة لتزوير الحقائق التاريخية.
ومن المفارقات أن هذه الحملة تتزامن مع الاعتراف الدولي بالقفطان المغربي، الذي ظل جزءًا من التراث المغربي منذ العصر المريني، بل وتطور ليصبح عنصرا بارزا في الثقافة المغربية الرسمية والمناسبات الوطنية.
وبينما تستثمر الجزائر مواردها الإعلامية في الترويج لأكاذيب ثقافية، تتجاهل أنها لا تمتلك أي توثيق تاريخي يُثبت ارتباطها بالقفطان، مقابل مئات اللوحات والوثائق التي تؤكد مغربيته.
فالمغرب، الذي امتدت سلالاته الحاكمة من فاس إلى تومبوكتو، كان دائمًا حاضنًا لتقاليد ملكية وثقافية عريقة، بينما ظلت الجزائر على هامش المشهد، خاضعة لنظام الوصاية العثمانية ثم للاستعمار الفرنسي.
ويبدو واضحا أن النظام الجزائري، في ظل إخفاقاته الداخلية وعزلته الدبلوماسية، بات يبحث عن أي قضية لصرف الأنظار عن أزماته الحقيقية.
فبعد فشله في فرض أجندته السياسية إقليميا، يلجأ اليوم إلى معركة ثقافية خاسرة، عبر الادعاء بأن القفطان المغربي جزء من تراثه، في محاولة لتعويض فراغه التاريخي.
لكن هذه الاستراتيجية لن تنجح في تغيير الحقائق. فالجزائر، التي تتخبط بين ولائها غير المعلن للإرث العثماني وحنينها الاستعماري لفرنسا، لم تنجح يومًا في بناء هوية وطنية متماسكة، وستظل مجرد كيان سياسي حديث العهد، يبحث عن جذور لا يملكها، بينما يواصل المغرب، بتراثه العريق، تعزيز حضوره على الساحة الثقافية والدولية.