✍️بقلم كريم عويفية
النسيان عملية شاقة تستغرق ردحا من الزمن. وبالنسبة لبعض الأشخاص، الذين خاضوا تجربة مريرة من الألم والحرمان، لا يمكن لهذه العملية، أبدا، أن تصل إلى تحقيق النتائج المتوخاة.
هو الحال بالنسبة لآلاف الأمريكيين، وخاصة سكان نيويورك، الذين مازالت دواخلهم تحمل آثار هجمات إرهابية ضربت القلب النابض للولايات المتحدة، يوم الحادي عشر من شتنبر 2001. هذه الهجمات غير المسبوقة، التي خطط لها وارتكبها التنظيم الإرهابي “القاعدة”، غيرت حياة الكثيرين، في بلاد العم سام وخارجها.
21 سنة بعد ذلك، مازالت الولايات المتحدة تخلد هذه الأحداث عبر أنحاء البلاد، على أمل التمكن، يوما ما، ونهائيا، من طي هذه الصفحة الأليمة من تاريخها المعاصر.
“لن أنسى أبدا المعاناة التي تسببت فيها هذه الأحداث المأساوية، التي كلفت حياة أزيد من ثلاثة آلاف شخص”، تحكي أليز د. التي تتذكر، بمرارة بادية للعيان، لحظات الشعور بالعجز ومشاهد الفوضى والارتباك التي سادت نيويورك، المدينة متعددة الأعراق، مسقط رأسها.
لم تكن أليز، البالغة من العمر آنذاك 21 سنة، تظن أن “قوى الشر” ستربك السير العادي للحياة في المدينة الأمريكية الكبيرة، حيث تتعايش ساكنة من مختلف الثقافات والأديان والأصول، وحيث الحلم الأمريكي يحمل كافة معانيه.
بالنسبة لهذه الأمريكية، وعلى مر الزمن، ساهمت أحداث 11 شتنبر في تغذية مناخ من الحذر الذي لا يطاق، في الحياة اليومية لسكان نيويورك، هذا الحذر، الذي يخيم في ثنايا المدينة العملاقة، في بما في ذلك ميترو الأنفاق، استغرق وقتا قبل أن يتبدد.
تخليد ذكرى الأحداث هذه السنة، التي تمخضت عنها، في رأي الخبراء، حرب دون هوادة على “الرعب” والإرهاب، يأتي في سياق خاص، اتسم على الخصوص بالقضاء على زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في كابول.
يتعلق الأمر بإنجاز غير متوقع، بالنسبة للملاحظين الأكثر اطلاعا، الذين كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة أفسحت المجال للمتطرفين في أفغانستان، وذلك عقب الانسحاب-المجازفة الذي أمر به الرئيس جو بايدن في العام الماضي.
يعتبر كولين كلارك، مدير في مجموعة “سوفران”، وهو مركز تفكير مقره في نيويورك، أنه “في الوقت الذي وهنت فيه القاعدة بشكل كبير خلال العشرين سنة الماضية ، يكتسي مقتل الظواهري حمولة رمزية قوية، بالنظر لقيادته ودوره الهام في تخطيط وتنفيذ هجمات 11 شتنبر”.
من جهتها، ترى ريتشل بانيت، الصحفية في جريدة واشنطن بوسط، نقلا عن خبراء أمنيين، أن تصفية خلف أسامة بن لادن تشهد على قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ ضربات دقيقة في أفغانستان، وذلك رغم الانسحاب العسكري الذي قررته الإدارة الأمريكية.
وفي نظر بعض المحللين، تعد الضربة الجوية التي حسمت مصير زعيم القاعدة دليلا واضحا على باستراتيجية “تجاوز الأفق” (أوفر ذو هورايزون) التي روج لها قاطن البيت الأبيض لتبرير الانسحاب المتسرع للقوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان.
“يتعلق الأمر بإنجاز كبير في إطار مكافحة الإرهاب وانتصار ضروري يصب في مصلحة إدارة بايدن التي أضحت ترى في أي سؤال متعلق بأفغانستان مصدر إزعاج”، يكتب تشارلز ليستر عن معهد الشرق الأوسط، والذي أوردته واشنطن بوسط.
بالنسبة للعديد من وسائل الإعلام الأمريكية، يعد هذا “الإنجاز الهام” انتصارا وإحقاقا للعدالة لفائدة ضحايا هجمات الـ11 شتنبر وأسرهم. بيد أن هذه الذكرى تلقت ضربة موجعة مؤخرا عقب إغلاق المتحف التذكاري ل11 شتنبر. هذه المؤسسة التي كانت تحظى بالتقدير، وخلدت ذكرى الأشخاص الذي لقوا حتفهم خلال هذه الأحداث المأساوية.
وألفى المتحف، الذي تم تدشينه في 2006، صعوبة في الإبقاء على أنشطته منذ بدء جائحة كوفيد-19 في 2020، كما تأسف لذلك جنيفر أدامز ويب، من مؤسسي المتحف والرئيسة المديرة العامة لجمعية أسر 11 شتنبر، مضيفة أن المتحف التكريمي شكل نقطة جذب للسياح الأمريكيين والأجانب، الذين يزورون تمثال الحرية قبل التوجه نحو النصب التذكاري 11 شتنبر والمتحف، حيث كان يوجد مركز التجارة العالمية، أحد أهداف الهجمات الإرهابية.
يعتقد البعض أن تخليد هذه المحطة المؤلمة من تاريخ الولايات المتحدة المعاصر يعد واجبا، من أجل تذكر أهمية وسمو قيم السلام والعيش المشترك، وتقبل الآخر.