تزايدت مؤخرا الدعوات التي تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة . وتعترف غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة – قرابة 139 من إجمالي 193 دولة – بـ »دولة فلسطين »، بينما لا تعترف بقية الدول ـ ومنها ألمانيا ـ بالسلطة الفلسطينية كدولة.
الجديد في الأمر حاليا يتمثل في حديث الولايات المتحدة أنها ربما ستعيد النظر في مسألة الاعتراف. وكانت واشنطن قد استخدمت حق النقض « الفيتو » ضد القرارات الأممية الداعية للاعتراف بدولة فلسطينية فيما يأتي الموقف الأمريكي متوافقا مع موقف بريطاني مشابه.
لكن في مطلع الشهر الجاري، نُقل عن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون قوله: « ما يتعين علينا القيام به هو إعطاء الشعب الفلسطيني أفقا نحو مستقبل أفضل.. مستقبل دولته ».
وتحدث كبار الساسة في إسبانيا والنرويج وإيرلندا عن احتمال الاعتراف بدولة فلسطينية.
وفي مقال رأي بصحيفة « نيويورك تايمز » قبل أيام، قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان « تحتاج الأطراف الرئيسية في الشرق الأوسط اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التحرك صوب (الاعتراف) بدولة فلسطينية منزوعة السلاح ».
وفي المقابل، دعا خبراء إلى توخي الحذر بشأن التصريحات الأمريكية والبريطانية، إذ يمكن تفسيرها على أنها محاولة للضغط على الحكومة الإسرائيلية، التي يبدو أنها غير مكترثة بما أعرب عنه حلفاء إسرائيل من انزعاج وقلق إزاء تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وفي ذلك، جاءت التصريحات الرسمية الأمريكية تفيد بأن سياسات واشنطن لم تتغير في الوقت الحالي.
فكرة مثيرة للجدل؟
ومنذ سنوات، رأت العديد من الدول الغربية أن تغيير وضع الفلسطينيين سوف يأتي كثمرة لمفاوضات حل الدولتين، والذي سيعني أن تعيش إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب في سلام وأمن. وأرجع مراقبون السبب في إثارة التصريحات الأخيرة الكثير من الجدل، إلى هذا الطرح.
بيد أنه في المقابل، يقول بعض الخبراء إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون خطوة أولى تمهد الطريق أمام حل دائم وسلمي لصراع ممتد منذ عقود، لكن شريطة حدوث تغيرات على أرض الواقع. وبدون ذلك، فإن الاعتراف سيكون عديم الفائدة ولن يؤدي إلا إلى استمرار بقاء الوضع الراهن.
مزايا الاعتراف؟
ورغم ذلك، يؤكد مراقبون أن الاعتراف بدولة فلسطينية من شأنه أن يمنح الفلسطينيين المزيد من السلطات السياسية والقانونية فضلا عن رمزية الخطوة بما يمهد الطريق أمام اعتبار احتلال إسرائيل لأراض فلسطينية أو ضم بعضها إليها، قضية قانونية.
وفي مقال بصحيفة « لوس أنجلوس تايمز » الشهر الماضي، كتب جوش بول، أحد كبار المسؤولين السابقين في الخارجية الأمريكية، أن مثل هذا التغيير « من شأنه أن يساعد في الدفع صوب إجراء مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل وفلسطين، لكن ليس في صورة تنازلات بين المحتل والطرف الواقع تحت الاحتلال، وإنما بين كيانين متساويين في نظر القانون الدولي ».
وكان يشغل بول منصب مدير الشؤون العامة والكونغرس في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية التابع للخارجية الأمريكية، قبل أن يقدم استقالته بسبب خلافات حول سياسة الولايات المتحدة بشأن غزة.
وأضاف أن القضايا الخلافية حول « وضع القدس أو السيطرة على الحدود وحقوق المياه وموجات الأثير، يمكن حسمها من خلال آليات التحكيم الدولي »، مشيرا إلى أنه يمكن استخدام القواعد المقبولة دوليا بشأن المسائل المتعلقة بالطيران المدني أو الاتصالات السلكية واللاسلكية.
رمزية الاعتراف
بدوره، قال فيليب ليتش نغو، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمقيم في كندا، إن رمزية الخطوة أهم المزايا التي سوف يحصل عليها الفلسطينيون في حال الاعتراف.
وفي مقابلة مع DW، قال ليتش نغو، مؤلف كتاب « دولة فلسطين: تحليل نقدي » الذي صدر عام 2016، إن الأمر سوف يحال في نهاية المطاف إلى محكمة دولية، « لكن ذلك سيكون مسارا طويلا ».
وأضاف أنه بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإن سبب قيامها كان الاعتراف بدولة فلسطين، مشيرا إلى أن « السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تقدم الكثير للشعب الفلسطيني، فهي لا تستطيع مواجهة إسرائيل وغير قادرة على تحسين معيشة الفلسطينيين الخاضعين لسلطتها، كما أن السلطة نفسها غارقة في الفساد علاوة على كونها غير ديمقراطية. لذا فإن الشيء الوحيد الذي يمكن لمسؤولي السلطة تقديمه يتمثل في الوعد بالحصول على اعتراف دولي. »
وقال الباحث إنه « في نهاية المطاف، فإن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون وسيلة للقول بأن المجتمع الدولي يقبل مشروعية القضية الفلسطينية في سياق احتلال إسرائيلي عسكري طال أمده. وهذا الأمر سوف يساعد في تعزيز الرصيد السياسي ».
عيوب الاعتراف؟
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن معظم الإسرائيليين لا يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطينية وسط مخاوف من أنه سوف يُنظر إلى الخطوة باعتبارها انتصارا لدعاة العنف.
وتفجرت موجة الصراع الحالية عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من مئتي رهينة في غزة، وفق السلطات الإٍسرائيلية. وكرد على ذلك الهجوم شنت إسرائيل حملة عسكرية في قطاع غزة قالت إنها تستهدف حماس. وأسفرت العملية العسكرية الإٍسرائيلية هذه حتى الآن عن مقتل أكثر من 28 ألفا، حسب السلطات التابعة لحركة حماس الفلسطينية، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وفي مقال نشرته مجلة « فورين بوليسي » في وقت سابق من فبراير الجاري، ذهب جيروم سيجال، مدير مؤسسة استشارات السلام الدولية، إلى القول بأنه في حالة الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الراهن فإن « حماس سوف ترى أن الفضل يرجع لها ». وأضاف أن حماس « ستصر على الفرضية التي تفيد بأن الكفاح المسلح وحده هو الذي يؤدي إلى نتائج ».
الفرق بين الاعتراف وحل الدولتين؟
ورغم أن الاعتراف بدولة فلسطينية سوف يجلب مزايا قانونية وبعدا رمزيا، إلا أن هذا الاعتراف لن يغير أي شيء على أرض الواقع على الفور، بحسب الكاتبة داليا شيندلين، الزميلة في مركز أبحاث القرن الدولي ومقره تل أبيب.
وكتبت أن « أكبر العقبات أمام إقامة دولة فلسطينية في يومنا هذا هي ذاتها العقبات التي كانت موجودة قبل 7 أكتوبر. فقبل كل شي، القيادة السياسية الإسرائيلية ملتزمة بمنع الاستقلال الفلسطيني بأي ثمن. وثانيا، تعاني القيادة الفلسطينية من انقسام وتفتقر إلى أي شرعية داخلية. ولقد تزايدت هذه العقبات منذ 7 أكتوبر » 2023.
بدوره، قال ليتش نغو إنه إذ « لوح طرف بالعصا السحرية وحصل الاعتراف بدولة فلسطينية فجأة، فستظل هناك مشاكل هائلة على الأرض، إذ مازال الاحتلال قائما والمستوطنات (في الضفة) قائمة، والدمار في غزة قائما وانعدام السيطرة على الحدود قائما أيضا، فضلا عن عدم حسم قضية الطرف الذي سوف يسيطر على القدس. » وأضاف « قضايا الوضع النهائي لا يمكن حلها فجأة، حتى ولو بعصا سحرية ».
المصدر: DW