في خطوة متوقعة، جدد وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، تصريحاته بشأن ضرورة “إعادة النظر” في “اتفاقية الهجرة” الموقعة بين فرنسا والجزائر في عام 1968.
وفي جلسة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، وصف الوزير هذا الاتفاق بـ “المفرط” في منح تسهيلات للإقامة والعمل للجزائريين داخل فرنسا، مشيراً إلى أنه لم يعد ملائماً في ظل المتغيرات الحالية.
كما أضاف أن الاتفاق ظل دون تغيير جوهري رغم تعديله ثلاث مرات، ويعتبر الآن منفصلاً تماماً عن الواقعين السياسيين والدبلوماسيين، ما جعله عبئاً على محاولات الحكومة الفرنسية للحد من تدفقات الهجرة، سواء النظامية أو غير النظامية.
تصريحات روتايو تأتي في وقت حساس بالنسبة للعلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي شهدت تدهوراً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة. فقد تفاقمت هذه العلاقات بعد الاعتراف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسيادة المغرب على الصحراء، إضافة إلى اعتقال الكاتب الجزائري بوعالم صنصال، ما زاد من تعقيد الموقف الدبلوماسي بين البلدين.
وفي هذا السياق، عبر روتايو عن موقفه الحازم قائلاً: “لقد مددنا اليد مرات عديدة، وربما حان الوقت ليتحمل كل طرف مسؤولياته بمفرده”.
وركز روتايو على أن الهجرة الجزائرية أصبحت هجرة “دائمة” وفقاً للاتفاق، في حين أن الهجرة من المغرب وتونس تركز في الغالب على الدراسة أو العمل المؤقت.
وأوضح أن فرنسا تمنح أكثر من 200,000 تأشيرة سنوياً للجزائريين، بينما تقبل فقط 2,000 طلب قنصلي لعودة المهاجرين غير الشرعيين، ما يظهر فرقاً شاسعاً في التدفقات.
هذا التفاوت يعكس بشكل أكبر في ضوء أن 40% من المحتجزين في مراكز الاحتجاز الإدارية في فرنسا يحملون الجنسية الجزائرية. وأضاف الوزير أنه حان الوقت للعودة إلى القوانين العامة للبلاد، مؤكداً أنه لا ينبغي الالتزام بـ”أحكام إيفيان” التي كانت تعتبر جزءاً من الاتفاق التاريخي مع الجزائر.
التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية الفرنسي لاقت ترحيباً واسعاً في صفوف اليمين داخل مجلس الشيوخ، الذين يرون فيها خطوة ضرورية للحفاظ على السيادة الوطنية.
ورغم ذلك، شدد روتايو على أن هذه التصريحات لا تعكس الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية بعد، حيث لم يتم اتخاذ أي قرار نهائي بشأن الاتفاق. ومع ذلك، يظل هذا الملف مفتوحاً على مصراعيه، حيث يعتبره العديد من السياسيين مسألة سيادة وطنية أكثر من كونه مسألة سياسة داخلية.
من جانب آخر، يعد برونو روتايو معروفاً بمواقفه الحاسمة تجاه الهجرة. ففي يونيو 2023، قدم اقتراحاً في مجلس الشيوخ يدعو إلى إلغاء الاتفاقية مع الجزائر، مشيراً إلى أن سلوك الجزائر يشكل عقبة أمام ضرورة وقف الهجرة الجماعية نحو فرنسا.
وعلى الرغم من هذه التصريحات الحادة، فإن مستقبل الاتفاق الفرنسي-الجزائري لعام 1968 يظل غامضاً في ظل الظروف السياسية المعقدة بين البلدين.