فقد المغرب أحد أبرز وجوهه السياسية والدبلوماسية بوفاة محمد بن عيسى، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأسبق، الجمعة، عن عمر ناهز 88 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض.
وبرحيل بن عيسى، ينطفئ مسار حافل امتد لعقود، جمع فيه الراحل بين العمل الدبلوماسي والممارسة الثقافية والتنمية الترابية.
ولد محمد بن عيسى سنة 1937 بمدينة أصيلة، حيث ارتبط اسمه بهذه المدينة الصغيرة التي سيجعل منها لاحقا منصة دولية للحوار الثقافي.
وبدأ مساره المهني في مجال الصحافة والإعلام، إذ اشتغل مراسلا لوكالة الأنباء الفرنسية، قبل أن يتولى إدارة وكالة المغرب العربي للأنباء في بداية السبعينيات، في مرحلة كان الإعلام العمومي المغربي يبحث فيها عن هوية مهنية جديدة.
انتقل بن عيسى من الإعلام إلى العمل الحكومي، بتعيينه وزيرا للثقافة بين عامي 1985 و1992. خلال هذه الفترة، أشرف على عدة مشاريع ثقافية، وعُرف بدفاعه عن الدور التحديثي للثقافة في المجتمع المغربي.
في سنة 1993، عُيّن سفيرا للمغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في ملفات حساسة مثل التعاون الأمني والتبادل الاقتصادي.
وساهمت تجربته في واشنطن في صقل مهاراته الدبلوماسية، مما جعله لاحقا واحدا من أبرز الدبلوماسيين المغاربة.
مع وصوله إلى رأس وزارة الشؤون الخارجية والتعاون سنة 1999، في أول حكومة للملك محمد السادس، واجه بن عيسى تحديات دبلوماسية مهمة، أبرزها الدفاع عن قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية، وإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية المغربية وفق الرؤية الملكية الجديدة.
وساهم في فتح قنوات الحوار مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، كما لعب دورا في تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
بالتوازي مع مهامه الدبلوماسية، ظل بن عيسى وفيا لمسقط رأسه أصيلة، حيث شغل رئاسة مجلسها الجماعي لعدة ولايات.
ومنذ أواخر السبعينيات، قاد إلى جانب صديقه محمد ببزيغ مبادرة موسم أصيلة الثقافي الدولي، الذي تحول إلى أحد أبرز الفعاليات الثقافية في المغرب، مستقطبا نخبة من المفكرين والفنانين من العالم العربي وإفريقيا وأوروبا.
حافظ الراحل على حضوره في المشهد الثقافي المغربي والدولي، من خلال مؤسسة منتدى أصيلة التي أشرف عليها، وعبرها كان يعبر باستمرار عن قناعاته بضرورة تكريس الثقافة كأداة للتنمية والتواصل بين الشعوب.
وعبّرت شخصيات سياسية وثقافية عن تعازيها في وفاة بن عيسى، مشيدة بإسهاماته في الدبلوماسية المغربية وإشعاع الثقافة الوطنية.
من المتوقع أن يوارى جثمانه الثرى في أصيلة، المدينة التي ظل وفيا لها حتى أيامه الأخيرة، والتي جعل منها منبرا ثقافيا ساهم في تعزيز مكانة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي.