في يوم الأحد 30 مارس من سنة 1952 وبعد خمس سنوات من حدث زيارة التاريخية التي قام بها الملك الراحل محمد الخامس إلى مدينة طنجة، وقع حدث تاريخي أخر بالمدينة وكان من بين أبرز الأحداث التي عبرت فيها طنجة بصراحة وبقوة على مطلب الاستقلال.
هذا الأحد الذي وصف بـ”الأحد الأسود” لطنجة صبيحة الاثنين في مختلف وسائل الاعلام العالمية آنذاك، شهد أقوى مظاهرة مناهضة للاستعمار بهذه المدينة الدولية، حيث انطلقت من السوق البراني (ساحة 9 أبريل) حشود غاضبة جابت أهم شوارع وأزقة المدينة القديمة تنادي بالاستقلال في الذكرى الاربعين المشؤومة لتوقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912.
لم تكن السلطات الدولية تتوقع أن تكون أي مظاهرة في هذا اليوم، فبدا الصباح هادئا وكان أغلب قادة الشرطة في عطلة الأحد حسب صحيفة “اسبانيا” التي كانت تصدر في طنجة خلال الحماية الدولية، غير أن الوضع تغير مع منتصف النهار عندما احتشدت الجماهير في السوق البراني معلنة على نحو مفاجئ عن انطلاق أعنف مظاهرة في تاريخ طنجة.
انطلقت الحشود المتظاهرة عبر باب الفحص نحو المدينة القديمة في مسيرة غاضبة تنادي بالاستقلال وسط زغاريد النساء وصرخات الشباب، فحاول بعض من عناصر الشرطة الدولية تفرقة المتظاهرين بطلقات نارية في الهواء، حسب ما جاء في جريدة “اسبانيا” إلا أن ذلك التصرف أشعل فتيل الغضب في أوساط المحتجين فدخلوا في مواجهات عنيفة مع رجال الشرطة.
في غياب رجال الادارة الدولية ورجال السلطة في هذا اليوم، لم يعرف رجال الشرطة كيف يتصرفون مع هذه الحشود الغاضبة التي كانت قد وصلت إلى قمة السخط على التواجد الاجنبي بالمدينة، فقامت بتصرفات عشوائية في محاولة لتفرقة المحتجين وأطلقت النيران في وجه الجميع دون استثناء.
كانت المظاهرة قد وصلت إلى حد عنيف، طلقات النيران في كل مكان، وتخريب كبير لواجهات المحلات التجارية والممتلكات الأجنبية ورشق بالحجارة لمقر الشرطة الدولية القريب من السوق الداخلي، ومع مرور الوقت تبين أن المظاهرة قد أسفرت على مأساة كبيرة.
حسب لجنة التحقيق التي كلفتها الإدارة الدولية لتقصي حقائق مظاهرة الأحد 30 مارس 1952 فقد كشفت عن مقتل 8 أشخاص خلال هذه الاحتجاجات من بينهم طفلين جراء الاطلاق العشوائي للنيران، والعشرات من الجرحى من المواطنين المغاربة وبعض من رجال الشرطة الدولية، إضافة إلى خسائر مادية لبعض الممتلكات التجارية الأجنبية واعتقال العشرات من الشباب المحتجين بتهمة تخريب ممتلكات الغير.
وحسب جريدة التايمز الانجليزية فإن أصابع الاتهام وجهت إلى المخابرات الاسبانية بتدبير هذه المظاهرة لعدم رضا اسبانيا عن التسيير الدولي للمدينة وحرمانها من مناصب ادارية حيوية رغم أن الاسبان يعدون أكبر نسبة للتواجد الأجنبي بطنجة، وهذا ما أفصحت عنه اسبانيا خلال التعديلات التي طالت عدة أجهزة بعد أحداث 30 مارس 1952 خاصة جهاز الشرطة حيث ازداد عدد الأفراد الاسبان العاملين في هذا الجهاز، إضافة إلى ذلك، تم انشاء شرطة الحدود بقيادة إسبانية وإنشاء مكتب للاستخبارات البوليسية في طنجة برئاسة كولونيل اسباني.
لكن بعيدا عن هذا الكلام فإن هذه المظاهرة كانت من بين الأحداث الهامة التي ساهمت بشكل كبير في تحرر المغرب من القبضة الاستعمارية، إذ من خلالها وصل نداء الاستقلال إلى أسماع العالم عبر مختلف وسائل الاعلام العالمية التي تناقلت خبر هذا الاحتجاج العنيف الذي حدث بسنوات قليلة قبل بزوغ فجر الاستقلال.