د . عبد الله أبو عوض
يتبادر إلى الذهن، مباشرة بعد قراءة العنوان، أن سيل مداد المقال سينصب حول التحالف الحكومي، المؤسس من حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وهو مما لا شك فيه، لأنه سيكون خوض غمار المعالجة مبنيًّا بداية على هذا التحالف الذي يشكل الحكومة، لا من حيث تقييم الأداء الحكومي في مجمله، ولغة التوافق بين التحالف في تسيير القطاعات الوزارية، أو الحضور في دوالب المحادثات الشعبية بين الأغلبية الساخطة والمعبئة من قواعد السوشل ميديا، أو ما بين النخب التي تقتصر على المناقشات النقدية أو المؤيدة رغم قلتها، وإنما من حيث مقاربتها في الخلفية السياسية التي تسعى الأحزاب لاستثمارها في خطاباتها السياسية والاجتماعية خاصة.
لذا، فهذا التحالف الثلاثي كنموذج، قد يكون فيه حضور المقاعد البرلمانية أكثر منه حضور في البرامج والتطلعات التنموية، وبحسب وقفة بسيطة يمكن اعتبار الانسجام بين الأحرار والأصالة والمعاصرة هو الأكثر حضورًا من الناحية السياسية في المشهد العام، رغم احتدام التنافس في دواليب الممارسة السياسية بينهما تحت الطاولة، وهو ما بدأ يخرج للعلن في الآونة الأخيرة. وبالمقابل، من حيث المرجعية، يمكن اعتبار أن الأصالة والمعاصرة أقرب إلى الاستقلال حسب مرجعيته التأسيسية عند أصحابه، في مفهوم الأصالة التي تعنى بالهوية، والمعاصرة التي تعنى بالحداثة، وأن الرسائل المشفرة بين الحزبين في خطاباتهم وتحركاتهم لا يوجد فيها تقاطعات تضرب في عمل بعضهما.
إن التحالف الثلاثي المؤسس للحكومة هو نتائج لمرحلة ما بعد انتخابات 2020، إذ توحد الهدف واختلفت سبل مواجهته، وتحقق مصداقًا لما كان من قرائن سياسية، وهو سقوط العدالة والتنمية. لذا، ما سيؤول إليه أمر انتخابات 2026 هو، بلا منازع، سيرفع سقف تجويد البرامج السياسية، وسيكون الصراع محتدمًا بين التحالف الثلاثي، خاصة من حزب الاستقلال الذي ينظم البيت الداخلي، مستفيدًا من المناوشات القطاعية لوزراء الأحرار والأصالة والمعاصرة، ناهيك عن الحضور الإعلامي للحزبين من بعض متدخليهم، الذين يحتاجون إلى تقويم اللسان السياسي في رفع سقف التواصل، حتى يتجنبوا الانفلات في التصريحات والتعبير السياسي مع الشعب.
لذا، سيكون من الراجح أن مرحلة الانتخابات القادمة ليست كسابقتها، في استحواذ بعض الأحزاب على فرسان الانتخابات من الأحزاب الأخرى، لأنه، وبواقعية العمل السياسي، كل حزب سيسعى للحفاظ على منتخبيه، ومحاولة استرجاع أعيانه من الأحزاب المشكلة للحكومة، خاصة أن وفودهم لتلك الأحزاب لم يكن مرغوبًا فيه من طرف المناضلين القدماء داخل كل حزب على حدة. لذا، فإن مرحلة الانتخابات القادمة ستعرف تحولًا جذريًا من حيث ما تفرضه بعض الأحداث المستقبلية من مقاربات توقعية تفرض التوازن السياسي بين الأحزاب.
وإذا افترضنا جدلًا أن تكون المفاوضات والدبلوماسية الحزبية هي رهان المرحلة القادمة، من خلال أن يكون تقارب بين عدد المقاعد للأحزاب، حتى يسمح لصاحب الأغلبية المعقولة، المخول له دستوريًا تشكيل الحكومة، أن يكون مقاربًا ومُسدّدًا، فلو افترضنا التقسيم:
-
الأحرار: ما بين 60 إلى 70 مقعد.
-
الأصالة والمعاصرة: 60 إلى 70 مقعد.
-
حزب الاستقلال: 55 إلى 65 مقعد.
-
العدالة والتنمية: 40 إلى 50 مقعد.
-
الحركة الشعبية: 40 إلى 45 مقعد.
-
الاتحاد الدستوري: 35 إلى 40 مقعد.
-
الاتحاد الاشتراكي: 35 إلى 40 مقعد.
-
التقدم والاشتراكية: 20 إلى 25 مقعد.
-
ثم باقي الأحزاب. وليس انتقاصًا في حقهم، بل هي مؤشرات سياسية قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك.
ولكن، تفعيل هذا الطرح سيساهم في توطين التوازن، بما يبعد التغول الحزبي، أو التحالف الضيق بين الأحزاب. كما سيكون هناك رهانات تحالفات ستعطي التوازن بين التمثيليات، خاصة عند التوافق في رؤية حكومة المونديال. وبمقاربة التحالف، فالأقرب أن يكون هناك قطبية بين الأحرار، والأصالة والمعاصرة، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، وحزب الأغلبية. أو بين الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والعدالة والتنمية، ثم حزب الأغلبية. أو بين الحركة الشعبية، والعدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية، وحزب الأغلبية. أو الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، وحزب الأغلبية. أو الأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، وحزب الأغلبية.
أما الاستقلال، فيمكن أن يكون حاضرًا في المعارضة، بحكم دوره المؤسساتي الذي يُجيده وتحتاجه المرحلة. لذا، كل هذه التكهنات ترمي إلى معطى واحد: أن مرحلة انتخابات 2026 هي دون سابقتها، بحكم الدور المنوط بحكومة المونديال، التي من المفروض أن تكون تشاركية ومتقاربة.